السبت، 25 ديسمبر 2010

عِقد





اليوم ما قبل الأخير قد مضى، وبقي اليوم الأخير!

كوني مزارعاً بسيطاً يعني أن أعيش في كوخٍ صغيرٍ، كحالِ أبي، وجدي، وجدُّ جدي. وتعيش زوجتي وأطفالي طيلة الدهر بأفواهٍ منفرجة وعيون لا تتعب من التحديق بحاجيات الغير، بحسرةٍ وتمني. وإذا ما أردتُ الإفراج عن حالهم، توجب عليّ الاستدانة من مختار القرية، ورهن بستاني الصغير الذي ورّثَه جد جدي لجدي، وجدي لأبي، حتى وصل إلي عن طريق أبي.

تعبتُ وأنا أقَلِّبُ أصابعي في العدّ، أثني وأمد، أمد وأثني، متمنياً زيادة إصبعا واحداً، ليزيد من حصتي في السداد. تخطر في بالي أفكاراً مجنونة، تتقلب كلما قلبتُ التربة وجهاً. ماذا لو حرقتُ بستاني؟ ماذا لو سرقت بضعة دنانير من متجر الحاج محسن؟ ماذا لو حرّضتُ أحد أطفالي على....، أنفضُ رأسي بشكلٍ هستيري، لئلا تستحوذ عليّ الأفكار المجنونة، أرمق الأفق البعيد، فيجذب بصري وميضاً في منتصف البستان، حسبتهُ للوهلة الأولى عمليات إغراء أتخذتها الشمس حيالي، أنفضُ رأسي مرةً أخرى، أقشعُ عنه لعنات مسيطرة، أو تحاول السيطرة.

احتمي بجذعِ نخلةٍ وأمسحُ قطراتٍ من العرق صارت سيولاً، من غرتي حتى أسفل ذقني، أتنفس بصعوبةٍ متجاهلاً ألم خاصرتي الذي لا يبرح في تعذيبي ليل نهار! أسمعُ هتف هاتفٍ من خلفي: " عُمتَ مساءً يا عبد الغني "

تتأرجحُ ألواني بينَ الحمرة والزرقة، والمختار بفمه العريض وشاربيه السميكين يقهقه ويعاود السؤال اليومي : " متى تعيد أموالي يا غني؟ "
اعتادَ الناس في هذهِ القرية مناداتي" بغني "عوضاً عن اسمي المركب من شطرين "عبد" و "الغني"، إما للسخرية بحالي، وإما لراحة ألسنتهم وحناجرهم، فأنا إلى اليوم جاهلٌ لما يتفوهون.
أعادَ سؤاله ببرودٍ أكبر، وهو يطيل المد في كل كلمة: " متى تعيد أموالي يا غني؟ "
رسمتُ لهُ أضحوكة كبيرة على وجهي، وبإطالةٍ في المدّ أجبته : " اليوم، اليوم قبل المغيب يا مختار "
قهقه بشرهٍ كعادته، مما جعل كتل اللحم الملتصقة على جسدهِ تهتزُ بإفراط بشكلٍ يستدعي الضحك. رحل وأنا ماسكاً فمي بكلتا يديّ خشية تسرب ضحكاتي الداخلية إلى مسمعه.

بينما أنا أتابع حركة المختار خارجاً من بستاني، وأقارنها بمشية البطريق، إذ لاح لي في منتصف البستان ذات الوميض الذي لمحته قبل لحظات، تثاقلتُ المسير لاكتشاف سره، فأنا من الناس عديميّ الفضول، ثم أن المسير من موقع راحتي قرب النخلة، إلى منتصف البستان، شاق للغاية!، لكن بريقه المتواصل جذبني، فرحتُ أسعى خلفه. ما أن وصلتُ إلى المنطقة المقصودة، حتى صدرت مني شهقاتٍ متتاليةٍ لم استطع إيقافها، وأنا أرى عقداً مرصعاً باللؤلؤ والأحجار الكريمة!

*

انحنيتُ رغم الألم لالتقافه، لكنه ما أن اقتربت من ملامسته، حتى تلاشى!، قرصتُ أذني للتأكد بأنّي لستُ في المنام، فأحسستُ بألم القرصة. أعدتُ النظر فرأيتهُ على بعد أمتار! انفتحت أساريري ورحتُ مهرولاً للظفر به، لكنهُ للمرة الثانية تلاشى بعدما أحسّ بقربي!، عقدتُ حاجبيّ ورفعتُ إزاري متحدياً إياه، ورحتُ ألحقُ بهِ كلما هرب من قبضتي، كما يلحق القط لاصطياد فأره. ظفرتهُ أخيراً متعلقاً على غصنِ شجرة، كان التعب قد بلغ أشده لدي، تنفستُ الصعداء و دسستهُ في جيبي.

بعد ساعة من الراحة هرولتُ لمتجر الحاج محسن، الذي ناظرني بنظرات ملؤها الشك والريبة، وأعاد العقد لحضرتي متعذراً عن شراءه، مستنداً بحججٍ واهية، كان أبسطها عدم توافر المادة لديه. أعلم في نفسي عن شخصِ محسن، وأعلم تفكيره، عاداته، مبادئه، وأخلاقه، كعلمي الآن بشكوكه حول ملكية العقد، إذ أن مزارعا بسيطاً لا يمكنه امتلاك عقدٍ كهذا،! شعرتُ بإحباطٍ كبير، لكنّي وضعتُ البستان نصب عينيّ وردّدتُ في رأسي، " البستان أولاً ، البستان! "، حاولتُ إقناعه بطرقٍ شتى، بأن العقد يعود لزوجتي التي ورثته من والدتها، والتي ورثته هي الأخرى من والدتها، إذ أن العقد من سلالة أهل زوجتي، ولم تفرط فيه إحدى المالكات، سوى زوجتي وذلك حفاظاً على البستان.

عُدتُ إلى البيت خفيف الوزن، إذ ما كنت أحملهُ فوق ظهري وفي جيوبي، وحتى في سلة أشيائي من همومٍ، قد انقشع! بعد أن سلّمتُ ثمن العقد إلى المختار، وبقي منه ثلاثة آلاف دينار هم في جيبي. قصصتُ على زوجتي مجريات اليوم، فما لقيتُ منها سوى التكذيب! لم أعرها اهتماماً، ألقيتُ بجسدي على فراشي، ورحت في نومٍ هانئٍ، ربما لم يهنئ به أحد المزارعين من أسلافي حتى.

في صبيحة اليوم التالي، استيقظتُ متأخراً على غير العادة، دعكتُ عينيّ، وماطلتُ في( التمغطِ)، وأنا أندهُ زوجتي، لكن دون مجيب! ارتفعَ غيضي، صرتُ اشتمها للمرة الأولى، لكن دون مجيب! اضطررتُ للنهوض، إلا إنّي أحسستُ بيدٍ خفيةٍ تردعني، حاولتُ معاودة الكرّة! لكن ذات الشيء يصيبني، ما أن أوشك على الاستقامة حتى أُدفَع للفراش مجدداً.

بلعتُ ريقي، ورحتُ انظر في زوايا الحجرة، أتأكد من كوني في الحياة الدنيوية. كل شيء كحاله مذ آخر مرة أسقطت نظري عليه! استدرتُ لأرى الجانب الآخر من الحجرة، فكان كل شيءٍ متطايراً في الهواء! الخزائن، الأواني، أدوات الحرث والزراعة! كل شيء يكسر قاعدة نيوتن، الأرض تفتقر للجاذبية!
لابد أنني أحلم!، ضحكتُ على حلمي الغبي، حتى ثملت! ما أن سكن المكان من ضحكاتي، حتى سمعتُ ضحكاتٍ غريبةٍ لا أعلم مصدرها! تلفتتُ في المكان، فلم ألقى سوى الحاجيات المتطايرة! انبعثت في نفسي خيفة، وأنا حتى لا أستطيع الوقوف!
تدحرجتُ على الأرض أبغي الخروج من الحجرة الكابوسية، إلا أن سترةً باليةً عرقلت خروجي، شتمتها في نفسي وفي علني، فغضبت مني وكأنما تفهم لي! قمطتني وراحت تلعب بي كما تلعب الرحى بالطاحونة، قذفتني على المرآة، فصرختُ غالقاً عيناي، إذ أنها منيتي دون شك!
ردّتني المرآة إلى الأرض، فتعالت مني صيحات إغاثة، لم يجب عليها سوى ضحكاتِ السترة التي طارت بعيداً عن جسدي، وتركتني عارياً من أنفاسي.
كانت تضحك وتضحك كلما رأتني أزحف للخلف مخافةً منها، وفي كل مرة أرى فيها وجهاً مختلفاً عن الآخر، فتارةً يكون شبيهاً لزوجتي، وتارةً أخرى لأحد أطفال، أصرخُ فيها وأنا مازلتُ ممسكا بخاصرتي مغلقاً عيناي عن الخرافات التي تحاصرني.

أجبرتُ على الوقوف، وفتح عينيّ كالبقر، فلا أنا استطيع الجلوس ولا استطيع إغلاق عينيّ، سمعتُ صوتاً رقيقاً منبعثاً من السترة: " أين خبأت عقد أختي يا سارق العقود ؟ "
على الرغم من نعومة حسّها إلا إنّي كُنتُ أرتعش خوفاً، رحتُ أنادي سُكان البيت: " سلمى، أحلام، سعد، سعيد، أين أنتم؟! "
قهقهت من جديد، وصرتُ أرى في وجهها وجه زوجتي وأولادي مرةً آخرة، وما أن كفت عن قهقهاتها، أردفت بحزنٍ شديد: " العقد الذي سرقته هو سر الخلود في قبيلتي، وسرقتكَ لعقد شقيقتي جعلها تصارع الموت، أعطني العقد واستعد عائلتك "
- " لكنّي لم أسرقه، صدقيني أيتها السترة العجيبة.. رأيتهُ ملقىً في بستاني "- " يالك من جشعٍ طمّاع، لا تستحق حتى المساومة "- " العقد حلّ أزمتي المالية، كنتُ سأفقد بستاني "- " وما ذنبنا نحن أيها السارق اللعين، إن لم تعِد العقد قبل المغيب، يتوجب عليك نسيان عائلتك "

قهقهت بمكرٍ، وسقطت على الأرض دون حراك، اقتربتُ منها بحذرٍ شديد، تفحصتها بعينيّ، فكانت هادئة جداً، وكأنها لم تكن تطير، لم تكن تتحدث، لم تكن تشاغبني! اقتربتُ أكثر، أمعنتُ النظر، فكانت الفاجعة! " هذهِ سُترتي!؟ "

لم أفهم ما يدور في عالمي!، فقط ما كان يرن في أذني هو صراخ أطفالي، إغاثات زوجتي، وذلك العقد اللعين. بعجلةٍ بالغةٍ قصدتُ بيت المختار، طلبتُ منهُ ديّناً جديداً، ورهنتُ بستاني مرةً أخرى. لم ألقى منه سوى القبول، فأمثاله يتسابقون لإدانة المحتاج، والقنص بعد ذلك على ممتلكاتهم.

بذات العجلة أيضاً، قصدتُ متجر المجوهرات، وسلّمتُ الحاج محسن قيمة العقد، واستعدتهُ في غصون ثوانٍ، بعد أن قصصتُ عليه أكذوبات جديدة بشأن زوجتي وعقدها، الذي مابرحت تنعاه ليلاً.
ألقيتهُ في البستان، في ذات المكان المشئوم، ورحتُ أجري جرياً إلى البيت، وألم خاصرتي يختفي شيئاً فشيئاً، ما أن وصلت حتى عانقتُ زوجتي وأطفالي، طلبتُ منهم السماح وسط بكاءٍ مرير، كان متبادلاً بيننا، أمسحُ دموع زوجتي، لتسقط دموع أخرى من محجر طفلتي أحلام. أوقف حفلة البكاء سؤال زوجتي: " أين كُنت طيلة هذا العام يا أبا سعد؟ ".

.
.

الأحد، 5 ديسمبر 2010

أغرسكَ وطناً







عبسَ المرشد السياحي وأردفَ مُستاءً وهو يمسح قطرات العرق المتصببة على جبهته من حرارة الشمس: " فقط أخبروني، كيفَ تتركون أكسفورد، بيكادلي، وترافلجار، لتقفوا أمام كتلة من الحجارة أيها الأغبياء!؟ "


ابتسم الوفد الفرنسي مطأطئين رؤوسهم، بينما قهقه آخرون، غير عارفين عما يتحدث عنه المرشد حتى. من بينهم، كُنتُ أنا الوحيد عابس الوجه، بقُبعةٍ سوداء قد سترت شُقرة شعري، ونظارة سوداء قد أخفت زرقة عينيّ، أخترتُ لنفسي موقفاً في آخر الحلقة، أتابعُ الحدث بأبلغ من صمت. بينما كانَ الوفد يسبقني ببضعة أمتار، كُنتُ منشغلاً بمراقبة المنارة الغربية لمسجد الخميس. رفعتُ آلة التصوير وحددتُ الزوم على المنارة، حيثُ لا شيء يظهر سوى المنارة وزرقة السماء.

لعلَ تأخري أغاضَ المرشد المتعصب، فقد أتى إليّ يوبخني بلغته العربية، ظناً منه جهلي بما يتفوه - كما الجميع -: مالكَ تقف وكأنكَ المقطورة الأخيرة في قطارٍ كسول؟! "

ابتسمتُ في وجهه ابتسامةً بلهاء، فابتسم هو الآخر ابتسامةً مغصوبة. سمعتهُ يتمتم بصوتٍ خافت: " يا لكم من شعوب باردة، تماماً كبرود الأمكنة التي يلتحفون ثلجها "، ثم تابعَ بالانجليزية – بكل أدبٍ واحترام -: " تفضل سيدي، فالجميع قد سبقنا "
ابتسمتُ في نفسي، وبادرتهُ باللغة الانجليزية: ما هذهِ؟ (وأنا أشير بإصبعي للمنارة الغربية)
أجاب بعبوس: " منارة "
تابعتُ حديثي، لكن هذهِ المرة بالعربية: " هي المنارة الغربية للمسجد، وقد بُنيت في فترة متأخرة، وأعني بشكلٍ أدق خلال النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي، وينسب بناؤها لأبي سنان بن الفضل، الحاكم الثالث من عائلة العوينين."
شهق صاحبنا، وأضنه غير مصدق عروبتي، خاصة بعدما نزعتُ النظارة، لئلا تفوتني مشاهدة تفاصيل دهشته!

**

أنهيتُ زيارة جميع الأماكن الأثرية، السياحية القديمة، والمستحدثة. في كلِّ خطوةٍ أخطوها، كانَ يمر عليّ طيف أبي، يعلمني كيف أرسمُ علمَ بلادي، وأنقش أسفله قلباً أقسمهُ نصفين، أكتب في النصف الأول " بابا "، والمساحة الصغيرة المتبقية أكتب فيها " بحرين "، فينهرني ويمسحُ اسمهُ ليبقى في القلب كله الاسم الآخر فقط.

يعلمني كلَّ شبرٍ، وزاويةٍ قصّية في وطني، وأنا أبعدُ عنهُ آلاف مؤلفة من الكيلومترات. يشبعني حُباً لهُ دون رؤيا، يغذيني عروبةً وأنا متوسطاً الغرب، يغتال شهوتي وحريّتي، ثم يعقد قراني على فتاةٍ تكبرني قروناً!

كثيراً ما كنتُ أتساءل بيني وبيني، عن السبب الذي يجعل رجلاً يحمل في قلبهِ كلَّ هذا العشق لوطنه، بالدرجة التي تجعله يهلوسُ في نومه ويقظته، وفوق هذا وذاك يتركه مهاجراً لوطنٍ آخر! ألا يُعتبر هذا الاقتراف خيانة في دستور العاشقين؟، كانَ يجيبني: " هكذا شاء الله، إذ بعثَ في قلبيَ حُباً، وبعثتُ في رحم أمك حُباً، ثم أنجبتكَ حُباً، لأضحي بكَ حباً ".

كانت كلماته طلاسم، فلم أكن أفقه معانيها. أما اليوم، وأنا أحرث الأرض، وألقي في جعبتها بذور علمٍ وثقافةٍ وحبٍ، ادخرهم لي أبتي من زمنٍ بعيد. كانَ يعلم بقدر ما يحمل من شيباتٍ بيض، أن الأرض كريمة، والبذور المدخرة من النوعية الجيدة، لذا لم نتأخر في جنيّ محاصيلها.
اخترقَ خلوتي صغيري مُحمد، ينبش الأرض، ويسارع في تقليب التُربة، خلتهُ للحظة ينوي زراعة شجرة اللوز التي يحبها كثيراً، لكن المفاجأة لمّا أخرجَ شهادتهِ وقذفها في قعر حفرته الصغيرة، وأخذ يهل عليها التراب! تعجبتُ من صنيعه فرحتُ أسأله وكُلي عَجَب: " لِمَ يا محمد؟ "
أجابني: " لنحصل على شجرة وطن يا بابا ".
علمتُ حينها بأنّي أنجبتُ حُبّا..

الأحد، 7 نوفمبر 2010

انتظار ~



عُدتُ من عملي أجرُ خلفي حقائب تعبٍ وإرهاق . يشتدُّ عليّ التعب كُلما تذكرت حُلم تلكَ الليلة ، ويبلغ أشده عندما أتذكر التفسير الذي جلبه إليّ زميلي في العمل " حسين " من أحد رجال الدين ، الذي يتفق معهُ في المذهبية ، لا أعلم مدى إمكانية عقلي في استيعاب ذلك التفسير ،خاصة وإنّي لا أنتمي وحسين في المذهب ذاته ، ولا تصلني بهم أيّةِ صلةٍ جليّه تخولني لتصديق هذا التفسير والإيمان به !

اعتدتُ أن أسيّر حياتي و أسرتي الصغيرة في روتين معيّن لا نملّه أبداً ، كأن أعودُ بابتسامةٍ عريضةٍ رُغماً عن أنفي ، ورُغم التعب الذي أحملهُ فوق ظهري إزاء عملي من الساعة الثامنة صباحاً إلى الثالثة ظهراً . أتبادلُ القبلات و أسرتي بعفوية تامة ، أجهّز الغذاء الذي جلبهُ زوجي من المطعم القريب ، نأكل / نتحدث / نناقش / ينام زوجي والصغار ، فيما أنا أصليّ العصر وأتلو بعض الأذكار التي ورثتها من والدي" الشيخ ناصر" .
أعاودُ قراءة التفسير للمرة العاشرة والحُلم يعاودُ الانتصاب أمامَ ناظريّ كلّما سنحت لهُ الفرصة . كُنتُ في دارٍ حالكة السواد ، الظلام يلفها يُمنةً ويُسرى ، ترتعش أوصالي من اللاشيء ، أو ربما من شيء أجهله . لم يطل وجودي في تلكَ الدار ، فقد ظهرت أمامي إمرأةً قد تغشت بالسواد ، أخبرتني بأنها " زهراء " ، وقبل أن أخبرها بأنّي " إيمان " كانت قد عرفتني . كيف ؟ لا أعلم !

فتحت زهراء أمامي باباً طويلاً ، ربما كان بمقياس المائة ذراع أو أطول . أخرجتني إلى حديقةٍ غنّاء ، يملؤها كلُ شيءٍ لهُ علاقة بالجمال ، الشجر / الزهر / الجداول / العصافير ، وأشياءٌ لا أعرفها ، إلا إنّها جميلة ، بل رائعة الجمال ! . كانت تتمشى باستقامة حادة ، وأنا بجانبها أتمشى بذهولٍ حاد . حتى وصلنا لشجرةٍ غريبة الطور ، لم أعجب من النسيم الذي يُلَحِّفُ جسدي ، ولا من عبقِ الزهر الفوّاح ، ولا من جمال الأشياء المجهولة ، بقدر ما أنا متعجبة من الكينونة التي خُلقت عليها هذهِ الشجرة ، فلم تكن تحمل من الثمار شيء ، بل كانت تحملُ صخوراً مثل التي يُصلي عليها زملائي من المذهب الشيعي ويسمونها بالتُربة الحسينية . اقتربتُ من الشجرة ، وحفرتُ اسمي عليها ، دون أن أعي لِمَ فعلت ما فعلت ، عُدتُ إلى الخلف بعدَ أن وعيتُ لنفسي ، لأكتشف إن الشجرة الغريبة كانت ترمز لإسم " مهدي "!. أستدير فأرى شجرةً أخرى قد احتوت على اثني عشر تفاحة ، قد نُقشَ على كلِّ تفاحةٍ نقشاً ، لم أستطع قراءة المكتوب في كل تفاحة ، غير إن التفاحة الأخيرة كانت مضيئة، الأمر الذي جعلني أتمكن من قراءة ما عليها ، وكانَ قد كُتِبَ عليها " مهدي " بنفس طريقة الشجرة الأولى !

صحيتُ لنفسي على صوت أذان المغرب ، لا أعلم كم من الوقت استغرقت في التفكير بالمنام الغريب ، يقول حسين : نحمدُ الله على إننا ولدنا جعفريون المذهب ، وإلا كانَ من الصعب علينا إدراكَ الحقيقة ، وأنتِ تستطيعين إدراكها الآن بعد ما زارتكِ الزهراء (ع) في منامك . وقال أيضا: نحنُ الآن في طور الترقب والانتظار لمهدينا المنتظر ، الذي سيملئ الأرض قسطاً وعدلا ، بعدما مُلأت ظُلماً وجورا ، قالَ كلاماً كثيراً بشأن الظهور ، وطريقة الترقب ، ودعاء التعجيل ، وأشياء لم أفهمها .
صليّتُ المغرب ، واقترحتُ على زوجي اصطحاب الأطفال لمدينة الألعاب ريثما أنهي أعمالي المتراكمة . ما أن اختلى البيت حتى بدأتُ التنبيش في المكتبة ، لاحظتُ كُتباً كثيرة لم آلفها من قبل في مكتبتنا الصغيرة ، فالكتاب لا يهب الانسان نفسه إلا إذا أراد هو ذلك ، أبحرتُ بين الكُتب لأكتشف عوالم من الأسرار لم أكن اعرفها مُسبقاً ، وأفكار سالبة الشحنة كُنتُ أحملها بلا استحياء !، قرأت الكثير من الكُتب المهدوية التي لا أعلم كيف وصلت لمكتبتي ، منها المقنع في الغيبة ، الغيبة والانتظار لسيد محمد الحلو ، وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام للأصفهاني ، وقصة بقية الله في أرضه لفاديا الخفاجي. بتُّ الآن أكثر إيماناً بصحة هذا المذهب ، وبذلك المهدي الذي يترقبهُ الناس على عجل ، لم يبقى عليَّ سوى إعلام زوجي وأهلي بقرار التشيّع الذي تاقت لهُ نفسي.

تثاقلتُ الموضوع في بدايته ، واستصعبتُ طريقة الحوار التي سأفتتحها مع زوجي ، لا أبالغ إن قُلت بأنّي كُنتُ أعيش بدوامة ذلكَ الوقت . إلا إن كل تلكَ الهواجس لم يُكن لها من الصحة من شيء ، خاصّة بعدما كُشفَ الستار ، وفُضِحَ أمر زوجي الذي كان قد تشيّعَ سِراً قبل عامين !. أما أنا فقد التحقتُ بالمذهب الشيعي ، وأصبحتُ من أكثر المواظبين على حضور دعاء الندبة في صبيحة كل جمعة ، ومن الداعين لإمامنا بتعجيل الفرج . جاءني صغيري عُمر ذات مرة متسائلاً : " ماما متى بزورنا الامام المهدي ؟ من زمان وانا انطره ! " .

الأحد، 26 سبتمبر 2010

رأس وأربع عيون





لم يعد الأمر كمسرحيةٍ هزليةٍ نقوم بها نحن الاثنتان _ و أعني بذلك أختي أمل وأنا _ بل هو بخلاف ذلك تماماً. قد يكون الأمر مسلياً في بدايته، لكنه سرعان ما ينقلب علينا انقلاباً موجعاً. استغلال التطابق الكبير بيني و بين توأمتي؛ جعلنا نُحرز أعلى تقدير في المدرسة، وبأقل جهد يُذكر. فعوضاً عن دراسة عشرة مقررات دراسية، كنا نتقاسمها أنصافا، وفي نهاية العام نتبادلُ المعلومات تبادلاً شفهياً .

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تفاقم بعد وفاة والدي، حيث لم نجد غير أيادي جدتي الحنون تَهِّبُ لالتقافنا قبل أن تصل إلينا أيدي القدر. منزل جدتي القديم ، كان ينتظر من يمتلك نفساً عميقاً لينفث عنه غبار الوحدة _ هكذا كانت تردد جدتي_ ، بينما أنا رأيتهُ روضةً غنّاء.. نصبح على صوت زقزقة العصافير، التي تشمئز منهم أمل بخلافي أنا! ، ونمسي بحفلة سَمَرٍ ملؤها حكايات وبطولات جدي، التي تُحكى على لسان جدتي. ما أن تتلفع الشمس بردائها الحريري الأحمر خلف النخلتين القابعتين غرب الدار، حتى تشعل جدتي نار المدفئة لنستلقي بجوارها.. و نغفو على غيمةٍ من حب.

غيمة الحب التي كانت تجمعني و أختي قد تفاقم سئمها الشتاء، فأعارها للصيف. حفلة السَمَر التي كانت تجمعنا قرب المدفئة، كفنها الوقت وأودعها تابوته الحديدي، فجدتي لم تعد تذكرها بعد أن تآكلت ذاكرتها المثقوبة أصلا، وأخذ يستولي الخرف على خلايا عقلها خلية تلو أخرى. أختي أيضاً كانت مصابة بخرفٍ من نوعٍ آخر، علّه أخطر من ذاك الذي أصاب جدتي. حفلات السمر التي كنت ألتحف خلالها بصوت جدتي، اختلفت لدى أمل؛ فقد كانت تقضيها برفقة شيطانها الليلي وشيطانها النهاري. مكالماتٌ غرامية، ومواعيدٌ في النهار ، وحفلاتٌ في آخره .

بكيتُ البارحة كما حد التشظي ، كرهتُ ذاتي حدّ الانشطار. لا أدري كيف تطورت المواقف، ومتى وصلت إلى ذروتها. لكني لم أجد نفسي إلا سجينة حجرتي المحمومة بألمي وبي، امتنعتُ عن الخروج، فقد أصبحت النقطة السوداء لكل السهام العمياء التي لا ترى في الدائرة إلاها، صرتُ صيدا سهلا لكل الشتائم التي تقذفها ألسنة الأهالي، الصغار أيضا يتنادرون بمناداتي ( بأمل الساقطة ) ! أيامٌ ضائعةٌ عشتها مع تقاسيم وجهي الذي مللتُ استعاراته الغير بليغة والميتة حيث يغيب كل شيء إلا وجه الشبه مع أختي. وأنا من بينها و جدتي أكوّر نفسي كقنفذٍ منزوع الأشواك، وأغوص في نوبات بكائي، التي لا تنفع معها حالات التخدير القسري، أو التحايل على ذاتي.

لجلب دواء جدتي ، عبرتُ الطرقات، واجتزتُ ساحة الأطفال دون أن ألقى المضايقات المعتادة، حييتُ الجيران فردوا التحية بأحسن منها، حينها ارتسمت فوق شَفَتَيّ ابتسامةُ نصرٍ، وأنا أشد النقاب على وجهي، متشبثة به، أخشى ضياعه أو غدره بين الخطوة والأخرى، أتابع طريقي والعالم بأسره قابعٌ أسفل قدميّ .
اتسكعُ لأول مرة في الأزقة بلا استحياء من أحد، فخلف غمامة السواد هذه استطعت أن أسرق لي شيئا من حرية، هذا ما دار ببنات أفكاري في ذلك الوقت. ابتسامتي صارت تتسع وتتسع لتُحدِثَ أخدودين عميقين في خدَّيّ، هذا والسواد يلبسني بينما أخلع مني كل شبه بأمل.

الأربعاء، 15 سبتمبر 2010

البديل



تسللت خيوط الشمس الذهبية إلى غرفتي بكل أدبٍ واحترام ، إلى الحد الذي جعلها تخترق العوازل دون دقٍ ولا طق ، لتوقظني من السُبات الذي لم أهنأ فيه سوى ثلاثِ ساعاتٍ أخيرة . كانَ النوم من أصعب الأمور التي واجهتها ليلة البارحة ، فقد قضيتُ الليل أبحث فيه عن روايات آن هامبسون و جانيت ديلي في المكتبة القديمة ، لأفاجئ بها صغيرتي سارة ، التي تسلل الكبر إليها دون أن ألحظ ذلك .

الغبار الذي اخترق رئتاي وأنا أبحث بين طيات الكُتب القديمة ، ضاعف نوبة الربو لدي ، فكُنتُ مضطراً إلى الجلوس تحت جهاز البُخار لستين دقيقة . لم يكن هذا مهماً بالنسبة لي ، فمجرد التفكير بفرحة سارة وهي ترى رواياتها التي خبأتها لها لخمسة عشر عاماً ، كفيلاً بإزالة كل متاعب الدنيا عن خشبة حزني .

لمفاجأة سارة ، يجب علي مفاجأة سعيد ، ابني الذي يكبرها بخمسة أعوام . أعرف عنه حبه للمأكولات البحرية، خاصة السمك المشوي، والربيان المجفف . لذا كانت وجهتي صبيحة اليوم الأخير من شهر رمضان إلى السوق المركزي، لأبتاع من السمك والربيان ما أملأ به عين ابني قبل معدته.

عند عودتي من السوق ، كانت الشمس قد توسطت بؤبأ السماء، وبدأت تتعرى شيئاً فشيئا ، والحاج أحمد قد نسي تشغيل مكبر صوت المئذنة كما يبدو !. إذ لم أسمع سُعاله أول ما يلتصق فمه بالمُكبر، ولا شجي صوته وهو يدعو إلى مائدة الله. تعريتُ أنا الآخر أمام الله، وصرتُ أحلق بجناحين وثيرين، جناح خوف، وجناح رجاء، باغياً وطامعاً في الكثير الكثير.

ما أن فرغت من الصلاة، حتى انقطعَ رنين الهاتف الذي اختطف مني لحظة خشوع نادرة. توجهتُ إليه لأرى الضوء الأحمر يُدلي برسالةٍ صوتية ! لم أهدر المزيد من الوقت، وضغطتُ الزر بسبابتي.

" مرحباً أبي ؟ كيف حالك ؟ أتمنى أن تكون بصحة وعافية . أعلم إنّا أولاد عاقّون، ومقصرون في حقك، لكن أنتَ تعلم بحقيقة عمل أخي، ومتطلبات سفره الدائم، وأنا أيضاً أعاني من ذات الشيء مع زوجي . آه .. هذا لا يهم ، فقط أتصل لأخبرك بأن رحلتنا قد تأجلت، أي إنّا سنصل صبيحة الغد لا اليوم كما أخبرتك سلفاً . فقط لا تحزن، وكُن على يقين بأنّا لن نحتفل بالعيد إلا معك، مع السلامة .. أحبك أبي "

ابتسمتُ وخيال سارة ما زالَ عالقاً في مخيلتي. الطفلة التي أسمتها زوجتي سارة نسبةً لاسم صديقتها الروسية، ذات الشعر البرتقالي والعيون العسلية، كانت تطمح لأن تكون طفلتها بالجمال ذاته. إلا إن طفلتي كانت أجمل بشعرها الأسود الكاحل، وبياض بشرتها الثلجية. لا أذكر كم من الوقت مضى دون أن تعانق عيني براءتها، فمنذ أن انتقلت للعيش مع زوجها في إحدى البلاد الأوربية، لم أرها إلا من خلال شاشة الكمبيوتر، وذلك عن طريق محادثة تسلخُ المسافات والأزمنة، وتجعل من كل بعيد قريبا!

ليلة العيد لم تشم عيني رائحة النوم، كُنت ثملاً جداً، شربتُ من كؤوس الانتظار والترقب ما أتخمني. استيقظتُ على صوت الحاج أحمد ينادي لصلاة العيد، بينما كانَ الهاتف يرن لشيء آخر !. أجبت على الهاتف : السلام عليكم ..
- وعليكم السلام، أبي هذا أنا سعيد
- أهلاً بُنيّ سعيد، متى اللقاء يا بني ؟ أما كان من المفترض قدومك البارحة؟
- أبي ، أنا متأسفٌ جداً .. أعترف لكَ بخطيئتي والتمس منكَ الغفران، في الواقع أنا الآن أحادثكَ من مرسيليا، لدي اجتماع هام ولن استطيع المجيء، عيدكَ سعيد أبي ، وداعاً.

أنهى المحادثة تلك قبل أن تسافر الجملة الأخيرة في خلايا الهاتف، لم أكن أريد التفكير بالموضوع طويلاً لئلا يأفن قلبي بعتب عليه. صليّتُ صلاة العيد في المسجد المجاور وعدتُ سريعاً لانتظار ابنتي سارة !. بشكل روتيني فتحتُ الكمبيوتر، فانفتح الماسنجر بشكلٍ روتيني آخر ، تفاجأت بسارة تحادثني من خلاله، وتدعوني لإجراء محادثة فيديو !
انفتحت أمامي شاشة صغيرة مربعة، وبانت من خلالها سارة بشعرها الأسود الطويل تحدثني :

- مرحباً أبي .. كل عام وأنت بخير.
- وأنتِ بخير ، لكن .. أنتِ ؟
- في الواقع ، بعد تبديل الحجز، لم نحصل على رحلة للبحرين ، آسفة أبي لا تحزن.
- لا ، لا تقلقي، يحدث هذا كثيراً .. كما حدثَ معكِ في العيد الماضي، أتذكرين ؟
- أبي أرجوك اعذرني، على كلٍ نحن الآن نرى بعضنا البعض من خلال هذه الشاشة، على اثر تقدم التكنلوجيا.
- أجل، التكنلوجيا!

أخذتُ نفساً عميقاً ورميتُ الكائن العولمي بعيدا، وأصوات الأطفال وأغانيهم من حولي تتعالى " عيدكم مبارك .. عساكم من عواده .. عايدين سعيدين " .

من عواده ؟ في الواقع لستُ واثقاً بأني أبغي العودة !

الثلاثاء، 31 أغسطس 2010

نَجاح





صَفقَ لنفسهِ حَتى احمَرَّت يَداه..
وَلمّا سُئِلَ عَن السَبَبْ
أشَارَ بخُبث/ للخوفِ الطافي على وجُوهِهم

،
،

السبت، 17 يوليو 2010

المنفى



قذفتُ آخر قطعة لحمٍ في فمي ، من صحن أخي الصغير . ورحتُ أضحك وأنا أرى شفته السفلى تتقدمُ أماماً لِتُخَطِّر شَفَتِهِ العُليا ، وتبدأُ بالتقوسِ شيئاً فشيئاً ، حتى تتفارق الشفتان ، وتتسع في الإنفراج ، لتَخرُجَ مَوجاتٍ مدويةٍ من فمهِ الصغير ، تُحدِثُ زلزلاً في قاعة الطعام ، فأهرول إلى غرفتي غالقاً أُذُناي بيَديّ الصغيرتين .

تتسارعُ دقات الباب ، ويتعالى صوت والدتي بعباراتٍ ملؤها التهديد والوعيد ، فأدير المفتاحَ بحذر ، وأغير هيئتي الساخرة بأخرى حزينة ، بعد أن أدنيتُ حاجبِيّ أسفلاً ، وملأتُ عيني ماءً كاذباً ، وأخذتُ أسَرِّعُ في عملية تنفسي لِيُصدِر أنفي صوت الشنوكة المبكي ، وأخيراً قبل أن ألاصق ذقني بحافة صدري ، أدلي بشفتي السفلى أماماً والعليا خلفاً كما يفعل أخي الصغير على الدوام . توبخني أمي ، لكنها سرعان ما تأخذني في حجرها ، لأنسى ألم التوبيخ _الذي لم أتذوقه حتى_ ! إلا إنّها هذهِ المرة لم تكن كسابقاتها . قالت وهي تدير ظهرها الطويل ( أنت محروم من حكاية اليوم أيها المشاكس الصغير ) .

كان أهون عليّ لو وبختني بعنف أكبر ، على أن تَحرُمَني من الاستماع لحصتي من قصة اليوم ، غارت عيناي بدموعي المالحة ، أمسكتُ ساقيها فكادت يداي أن تنزلق من نعومتهما ، أعدتُ الكَرَّة متشبصاً بها بكل طاقتي . هوت نظراتها للأسفل ، حيث أُوجد أنا ، صِحتُ فيها ( لن آكل اللحم بعد اليوم يا ماما ، فقط أريدُ حكاية الشاطر حسن ) .
أعادت شعرها الذهبي للخلف وهي تقول : امم ، اقتراحٌ جيد ، لكن ليس قبل أن تطلب العفو من أخيك ، وتأخذ البراءة منه أولاً .

أخرجتُ من حقيبتي قطعة الحلوى التي خبأتها فيما سبق كي أهنأ بها بعيداً عن أحمد ، إلا إنه كما يبدو إن الله قد قدّر أن لا يخرج طعمها السكري إلا في فمه . عموماً .. فقد خبأتها في جيب بنطالي الخلفي ، وقبلتُ أحمد الصغير في خده، وبابتسامة بريئة من ثغري الصغير ، طلبتُ منه السماح ، وأخرجتُ له الحلوى من جيبي ، أمام نظرات والدتي التي كانت ملؤها الفخر بصنعي .

قارب العقرب الكبير للساعة على الوصول إلى الرقم الاثني عشر ، و إلى الرقم ثمانية يشير العقرب الآخر بإصبعه القصير جداً ، حينها صفّقت أمي معلنةً موعد تنظيف الأسنان . سبقتُ الجميع ، فحماسي لمعرفة حال الشاطر حسن في المنفى ، يدفعني لصعود الجبال وهبوطها في لحظة عين . دارت في بنات أفكاري كلمة منفى ، ترى هل هو كبلاد العجائب الذي سافرت إليه ( إليس ) .. ؟

قررتُ تأجيل استفساري لوقت آخر ، بعد أن أدركتُ نفسي سارحاً وأحمد يكاد يغلبني في تنظيف أسنانه ، عجَّلتُ في قتل جنود الجرثومات قبل أن تتجرأ لقتلي ، وهرولتُ خلف أحمد الذي سبقني للسرير الأسفل ، فكنتُ مضطراً لصعود السبع سلماتٍ لألقي بجسدي على السرير العلوي .

أغلقت والدتي الباب ، واستبدلت نور الشمسية الأبيض ، بضوء أخضرٍ خافت من المصباح الواقع أعلى الساعة ، ألقت بجسدها الممشوق على الأرض بالقرب من أحمد ، ونادت ( الشاطر حسن هل أذناك نظيفتان .. ؟ )
علمتُ حينها إن القصة قد بدأت .. فهتفت : نظيفتان ، نظيفتان يا ماما .
تابَعَت بعد قهقهاتٍ قلائل بقية أحداث القصة ، وكيف كان الشاطر حسن يصارع في المنفى الذي انساق إليه مسيّراً من قبل الحاكم الظالم . تغيرت فكرة المنفى في أفكاري ، فَرِحْتُ أسأل أمي : ( ماهو المنفى يا ماما .. أليس كبلاد إليس ؟ )

،

ألجم سؤال الصغير الأم ، فصمتت ، وطال صمتها ، فما كان من الصغير المنتظر ، إلا الإستسلام للنوم ، في الوقت الذي أجابت فيه الأم : المنفى ماهو إلا دنيا غريبة .. تُسَاق إليها إما كنعجةٍ هزيلة ، أو كليثٍ رَفضَ التَرويض .. وفي الحالتين .. أنتَ قابعٌ فيها . كحالنا نحن يا صغيري !

الخميس، 8 يوليو 2010


انهيتُه ... !
لم أتصالح معه البته ! ، النهاية جاءت غير متوقعة ، وبطعم غير مستساغ ،
في الواقع ، شعرت من البداية أن البطلة كانت تعاني من أزمة نفسية ، وحدهُ أسامة من كانَ يجعلني التهم الحروف لتقصي أخباره ،
أن تأتي النهاية لتفجعني إن أسامة لم يكن سوى وهم كانت تعيشة البطلة !
هذا ذنب لا يُغتفر .. ! =(

الخميس، 17 يونيو 2010

وجاء اليوم المنتظر ، أن أنتهي من امتحان مادة الاجتماعيات في الساعة الواحدة والنصف من يوم الخميس الموافق 17 / 6 / 2010 م ، هذا يعني بداية عطلة صيفية جديدة ، ونهاية سنة دراسية ، كانت هي حصيلة لأثني عشرة سنة دراسية متواصلة . لأول مرة تشعر كينونتي بالاستقلالية ، أيّ .. لستُ في اضطرار لاتباع نظام معين ، ولستُ مُجبرة لترك نظام معين آخر . وداعاً للحصص .. الصفوف .. المعلمات .. المشرفات .. أيام اختزلت البسمة والدمعة في آن واحد ، ذكريات العلم / الجد / الهزل ، سأشتاقُها .. وأشتاقُهم ..!
=)

الأربعاء، 9 يونيو 2010






انتهيت أخيراً من ابتلاع ال 318 وريقة , قماشة العليان باتت تأسرني بكل ما تكتب .. أصبحتُ أعشق اسلوبها الرائع في إيصال الفكرة والموضوعية للقارئ بانسيابية تامه ..

أجّلتُ المذاكرة لامتحان الغد .. فقط لإنهائها ، فلم أكن أستطيع الجمع بين الاثنان .. فكلما فتحت الكتاب سرحتُ في شأن سارة التي باتت في لندن ، تخشى الله .. ونفسها .. والشيطان ! . أغلق الكتاب للمرة الألف لأكمل معاناة المرأة السعودية التي هربت من ثلاثة بيوت كانوا بيوتها ، وليسوا بيوتها ، لتستبدل الاكسجين الخانق بآخر نقي .. فوجدت نفسها في الخطيئة .. التي تعتبر حرية لدى اللندنيون ( و أعني سُكّان لندن من عرب وأعاجم ) .

ضميري يؤنبني , والساعة لا تكف عن الحركة ولو للحظة , وامتحان الغد .. ؟ / أعاود فتح الكتاب أتنقل بين أشعار الخطيب إلى أبي ريشة ، أقرأ ولا أقرأ , أحفظ ولا أحفظ .. أعلم إن كل محاولاتي الدراسية عقيمة فأعاود أغلاق كتابي .. وافتح الكتاب الآخر . أبكي مع سارة التي عادت من لندن ونسيت شرفها هناك .. عادت لتلقى جسدها وقد تتضاعفت الأرواح فيه .. وأصبح يختزن روحان !!!

أقرأ وأنا أشتم روبير .. فيصل .. كاتيا ! كل من قادها إلى المحرمات .. ألعن الحرية التي تنفي كلام الله ونواهيه ، الحرية التي تحبس الله في بلد وتنفيه من بلد ( حاشى الله ! بل له كل ما في السماوات والأرضون ! ) .. أتهجأ الحروف وأنا أمسح بقايا دموعي التي أصبحت تشعرني بالحكة !

سارة تخلصت من جنينها .. ولدته ابن السبعة أشهر ، خلفت خطيئتها وراء ظهرها ، وهربت دون علم كائنٍ من كان سوى ليلى والله ! هي الآن في مشارف الزواج لرجل غني بخيل .. لم أرتح لهذهِ الزيجة إطلاقاً .. أصرخ فيها .. أتركيه .. أتركيه .. ، صراخي وعويلي لا يسمعه سواي وجدراني الأربعة .. فأسكت رغماً عني و أتابع مجرى الأحداث / المفاجأة في القادم من الشرقية " سعود " ابن عمتها .. الذي تعلق فيها مذ أن رآها مصادفةً .. أو هو القدر ورحمة الله التي تُرد ! ..

يخرج بطلاً صغيراً من دار الرعاية , ذو الشعر الأصفر .. وعينين هما بحيرة عسل .. يخرج للدنيا ليلقي أمهات من مختلف الأشكال والالوان .. ماما خديجة / ماما فاطمة / ماما ..... وماما ليلى !! ، التي أسرها جماله ورفضت منيته ، أخذته دون علم سارة إلى دار الرعاية .. وكانت تزاوره بين الحينة والآخرى .. تعلق فيها وتعلقت فيه .. حتى أخبرته يوماً إنها مقدمةً على سفرٍ بعيد لا عودة منه .. وستزاوره أمه التي ولدت .. ماما سارة !

يرى أمرأةً ضائعةً بين أرديةٍ سوداء .. بوجهٍ شاحب .. يخفي هالة الجمال والرونق ,, تتقدم له ..تمسح شعره .. وبكاءها لا يكف .. هتفت بهمس " روبير " .. ثم تابعت في البكاء " سامحكِ الله يا ليلى ,, فاليرحمكِ الله " !

أخيراً انهيتها ، فاضت عينيّ بالدموع ،، أقبلت لكتبي ، بدأت أقلب الصفحات وأشهق .. متى سؤنهيه !!


السبت، 5 يونيو 2010

اعترافات باطلة


لَم أسْتَطِع مصَارحَتكِ شفوياً , فَحيائِي يستوقفني .. لستُ أَنا ذلِكَ الوَلَد الشَّقِي ، الذي طَالما يَتوقُ لِتَعذيبِك ، و تَكمُن راحتهُ في صراخَكِ وعَويلك . ربما بالغتُ في خُطَطِي الشَيْطانية ، واستَنفَذتُ طاقَتي الطُفولية في إرعَابكِ وإخافتك ، _ الآن فقط _ أعتَرِف بِسَذاجتي وغَبائي .

أتَذَكّر ، عندما كنتُ أضربكِ ضرباً مبرحاً في غِياب والدكِ ، أو دعيني أنعته بعمي _ كما تستدعي صلة القرابة _ . كُنتِ كثيرة الدلال ، بالدَّرجة التي تَجعَل من حولي يَكرهنني بِسَبَبِك ، إذ إنها المُعضلة التي جعلت حِقدي الدفين يَتَكاثَر .

أتذكرين ؟ عندما أوصَدتُ عليكِ بابَ الحمام بإحكام ، بعدَ أَن حكيتُ لكِ قصَّة العِفريت شمعون ؟ ، واحدةٌ مِن خُرافاتي اللامتناهية . ضحكتُ يومها كما لَم أضحك من قبل ، وأَنا أسمَع توسلكِ إليّ . حتى عَطَفَ قَلبي الصَغير و فتحتُ الباب ، وإذ بي أتفاجأ بتبولكِ في ملابسكِ . بعد هذهِ الحادثة صرتُ أنشُر أحدَاث القِصة عَلى الأطفال ، على الرغم من تهديد عمي المتواصل ، إلا إنّي كنتُ أستمتع بضحكات الجميع .. وأنا معهم !

جسدكِ النحيل ، شعركِ الأسود الكثيف ، كثيراً ما كانَ يسبب لي عُقدة نفسية ، سمعتكِ تحدثين زينب إبنة عمتي ذات مرّة ، تَتَشَكّين لها معاناتكِ الدؤوبة معي ، هذا ما زادَ شجاعتي وأعطاني حافزاً لبذل المزيد .
حتى كَبَرتُ .. وكَبِرتِ ، وأصبحتِ أكثر قبحاً من ذي قبل بجسدكِ السمين ، ووجهكِ المدور كبطيخةٍ حمراء ملؤها حَبٍ فاسِد من كل ناحيةٍ وصوب . أتذكر تهديداتي لكِ بالقتل عُنوة ، بعد أن أتخذتُ من السكينة الحمراء سلاحاً أبيضاً خاصاً بي . لا يخفى على ذاكرتي تلكَ اللحظات ، عندما كنتِ تشتهين الماء الذي تعده جدتي .. كنتُ أقف متوسطاً الدار بسكِّينتي مانعاً إيّاكِ ، وبدوركِ تنعتيني بيزيد تارة ، وبالشمر تارةً أخرى ، حتى تأخذني الرأفة وأهِبَكِ دقيقة واحدة تُبَللِين فيها ريقكِ بماء جدتي العذب .

آه ما أشهاه .. أما زلتِ تتذكرين طعمه ؟

وشاء القدر أن ننتقل لمنزلٍ جديد ، كانت فرحتي كبيرة .. لكنها لم تتجاوز فرحتكِ بفراقي . مضت الأيام و السنين تجري دون مستقرٍ لها ، حتى أصبحنا بذلك الصباح المفجع ، الذي سلب منا عمنا الأصغر .

كنتُ حينها في العشرين من عمري بينما كنتِ في مقبل عامكِ السادس عشر ، حينما رأيتكِ تستفرغين حزنكِ بحجرِ جدتي ، زمهريريتي اقشعرت لعاملٍ أجهله ، أو تجاهلته للوهلة الأولى .. حتى هدَأتِ وبانت معالم وجهكِ القمرية ، وجهٌ مدورٌ مضيءْ ، شديد الحمرة ، عينان لوزيتان محمرتان من شدة البكاء ، توقفتُ عن متابعة بقية المعالم .. فقد كانت نظراتكِ قاسية .. أهي نظرات حقد أم انتقام ؟ أقسم برب السماء .. لو كان لي ذرةً من علم الغيب ، لما فعلتُ مافعلت .
اليوم وبعد سبع وعشرون عاماً من حياتي .. أقولها " ليتني لم أكن " . كيف سأبدو لمن جازيته الوجع من صغري ، وأخفيتُ عشقي له في رشدي .. ! هل لي من قدرٍ بسيط من عفوك ؟

رمت الرسائل من حوزتها ، لتنبجس من بين شفتيها ابتسامة مكر تعبر عن كيدها ، وهي تعقد العزم على تجريعه ما تجرعته في الصغر .. بطعمٍ مختلف ، بطعمٍ ألذ

الاثنين، 31 مايو 2010


لا أستطيع الغوص في أحلامي كما أشتهي ،
يقرصني البرد ، فأفزع إلى حرارة الواقع
لانصهر في اللاشي ،
هذا فقط .. لأنّي أعرتُكَ (لحاف) أحلامي !


وعودكَ الكاذبة لا تقف عن الزمجرة في قوقعة الذاكرة
صدى حسّك يرتل في أذني شعوذاتكَ المقدسة
بتُّ أصدق أكاذيبك الرعناء ..
حتى جردتني من كل شيء


حتى من ذاتي .. أنا !
من ذاتي .. أنا !
ذاتي .. أنا !
أنا

تقابلت الصديقات ،

قالت الأولى : أهداني زوجي عقداً ألماسياً في ذكرى زواجنا ، ماذا عنكِ ؟

ابتسمت الأخرى : لن أخبركِ عن ليلتنا التي قضيناها في فندق ال ( ... ) ،
ولن أخبركِ أيضاً عن مفاجئاته التي لا تُعد ، ولا عن الفُستان المستورد من الخارج ، خصيصاً لهذهِ الليلة !

،

أقالت لن تخبرها .. ؟

لِمَ لا تحلو الأحاديث دون كذب .. ؟

سُحقاً !!

عبوس


سألتهُ لِمَ العُبوس ،

فأجاب : هي الشمس ، تجبرني على العُبوس ،

صفقتُ له بحرارة : أحب دُبلوماسِيّتِك ، - وكُنت أعني أكاذيبه -


,

مازلتُ مُختَبئة ، أغوصُ لحافِ الغيم ..
كما تركتني آخر مرة [ ! ] ،
اكسجيني يقارب الانتهاء ،
وثقتي بعودتك ،
تمنعني من كشف الغطاء ،
.. ، إذاً سأموت ..
وأنت قاتلي

،

أهيَ ضريبة الوفاء .. ؟

الاثنين، 5 أبريل 2010

الثُكلى ،

عندما تشتاق المرأةُ الثُكلى .. تتوسد الثرى .. تنعى الأبناء .. تستنشقُ ريح الغائبين .. تعلو شهقاتٍ تلو الشهقات .. تصرخ ، تبكي ، تنوح ، تلوع ، تجهش ، تذرف .. لا .. هي لا تذرف ، هي لا تستطيع أن تذرف دمعة .

يهدهدها ، يطبطبها ، يدواي جراحها التي لا تلبث أن تتفجر بركاناً ، بقدر ما تهدأ لبعض الحين ، يسقيها جرعات حنانٍ ، بكأسٍ طويلٍ مقعر ، تدفعهُ ، تركله ، تشتمه .. فيبتسم .

،

ليست هي المرة الأولى التي أفشل في مداواتها .. ولن تكون الأخيرة بحسابات حدسي .. هي امرأةٌ مجنونة / وأنا رجلٌ عاقل .. منظرها يوحي بأنها تجاوزت العقد الرابع / بينما أنا الناظر إلي .. يَخالُني في نهاية عقدي الثاني ، فيما أنا في نهاية عقدي الثالث .. هي يائسةٌ / أنا حالمٌ يكسوني أمل .. بعد كل هذهِ المقارنات والمفارقات .. أما حان الحين لأن أهجرها .. ! ،
صرخاتُ الصباح والمساء تكادُ تقتلعُ أذنيّ .. استطيع سماع بوح دقات قلبها عن بعد ميل ، وهي لا تستطيع حتى أن تشعر بوجودي وأنا ملتصقٌ بها .. نعم .. هي زوجتي الثُكلى .

،

أخيراً هجرتها ، آن لي أن أنام في حضن زوجةٍ جديدةٍ تُقدّر قدسية الزواج ، دون صياحٍ ونياح .. إلا إنّي ما زلتُ أتحسسُها ، مازال بوح قلبها يرن رنيناً مزعجاً لا يتوارى عن التوقف ، دقات قلبها تخترق الطبلتين أكثر فأكثر ... رباااه ! أكادُ أجنّ !

فجأة ، توقف الرنين .. ما أن أقبلت ( نورة ) ، هرولتُ إليها ، فهرولت إلي ، ما أن تلاقينا حتى رن رنينٌ آخر .. لم يكن في أذني ، بل كان رنين الهاتف ، أسرعت إليه ، فلا يجب أن يتسرب الوقت منّا .. أمامنا ليلة حمراء ، على كل حال .. فأنا أجبت " من المتحدث .. ؟ "

- أخ عيسى .. أحدثك من مستشفى الامراض النفسية ، زوجتك التي أودعتها لدينا في الصباح ، قد ..
- قد ماذا ؟
- آجرك الله .. قد ماتت

أقلت بأنّي أستطيع سماع دقاتها من بُعدِ ميل .. ؟

السبت، 27 مارس 2010

حقيبة،

فتحت حقيبتها الجلدية السوداء ، اشبعتها بهمومها ، اغلقتها بإحكامٍ شديد ،
..
شوهدت تمشي في الطرقات .. حقيبتها السوداء ، مصدر فتنة ، خالها الجمع ماليونيرة ،
..
سُرقت الحقيبة ، فرح اللص .. وفرحت هِيَ ..


الاثنين، 15 مارس 2010

عناق


تعانقا طويلاً،
هبطا جسدين ممددين،
قيل إنهما ماتا !
،

رباااه ّ! لم يكن عناقٌ هذا ،
بل كان مزجرة اختناق ,, !

الثلاثاء، 23 فبراير 2010



طفولتي ساحرة ،

عذبة ، ..

سرمدية ـ ,,


،

لا أذكر بالضبط ماكان عُمُري يومها ،
إلا إني واثقة إني كنتُ بين الرابعة والسادسة /

،

كانَ يوماً ماطراً ،
شديدَ البرودة ،
رأيته وقد انعزل عن الجميع ،
يحدّقُ بالمَارّة ،
يبتسم لهذا وتلك ،

/


تتبعته بنظراتي ،
حتى تلقيتُ ابتسامة منه !
هرولتُ إليه ،
عرفتهُ على نفسي ،
وعرفت اسمه
حسن !
هكذا قال .. ثم سَكَت ،

/

صرتُ ألاقيه يومياً ،
أجلب له الحلوى ،
أجُّرُ له كرسيه ..
أقص عليه من قصص والدتي ..
حتى أدمن الجلوس معي ،


،



كانَ لي وحدي ،
أكره أن يلتقي مع الفتيات ،
أكره أن يحادث من أكره من الصِبيَه ،
فيسير في خطي المستقيم ،
كيفما أشاءُ أنا
فأحبتته أكثر ،

،


حتى عرفتُ يوماً
إنه من الطائفة الأخرى ،
فتركته ،

وصرتُ أستمتع بنظرات الحزن المنبجسه من عينيه الصغيرتين ،

.
.

الاثنين، 22 فبراير 2010

جاري البحث ، !

(1)

لم يكُن يحُّب العِطر .. فأحبه ، ولم يكن يتقن الرّقص .. فأصبحَ راقِصاً ، ولن أُخبِرَكم عن بغْضه الشديد للزهر ، حتى أصبح زهريّ الحياة ، ثم لن أقصّ عليكم حكاية السيجارة التي لم تكن تختفي من بين سبابته ووسطته ، حتى اختفت فجأة !

تلاعبتْ بِهِ كَما تُلاعِب الرَّحَى الطاحونة ، كانت هي المرأةُ الأولى التي روضّت أجبر رجلٍ على الأرض _ هكذا كان يُردد _ ، أكان السر في قامتها / أنوثتها / وجهها / تقاطيع جسدها ، أم قلبها الذي صبَّ عليه الحُبّ صبّا .. ؟

هي الزيجة الأولى التي قضى فيها شهراً ونيف من عمره ، ثُمّ .. ، ثم ماذا يا زيد ؟

(2)

استقى جرعةً من نبيذه ، أغلقَ عينيه ، اسندَ ظهرهَ بالكامل على الكُرسي الجلدي ، تأملتُه لبرهه من الزمن ، تقاطيعهُ لم تتغير ، وكأن الزمن الذي لا يتوالى عن سرق أعمارنا ، قد عجز عن سرقة عمر هذا الرجل . فتح عينيه على عجل ، استسقى جرعةً أخرى ، وأردفَ قائلاً ( ثُم ماتت ! ) .
أعلم إنها ماتت .. وأعلم إنك انت سبب موتها ، إلا إنّي أجهل تفاصيل الحادثة .. حدّقتُ بهِ مطولاً ، دون أي اكتراثٍ منه ، امسكتُ يده قبل استلامه لكأس النبيذ ، مررتُ أصابعي بين أصابعه .. و همستُ فيه ( تتزوجني ؟ )

(3)

قهقه الشيطان في داخلي ، المرأة التي تطلب الرجل للزواج ، من تكون ؟ شحّاذة .. ؟ ساقطة .. ؟ لا ، هي ليست كذلك ، إنّها ذكيةٌ جداً لتستولي على رجل صديقتها ، علّها تريدُ أغاضتها في قبرها !
ابتسمتُ في غير العادة ( موافق )

(4)

تزوجنا وكنتُ أبحث عن منال زوجتي الأولى في منار زوجتي الثانية ، علّ الجناس الناقص في الاسمين ، سبباً لقبول هذهِ الصفقة . اسرَفَتْ في الاختيال بمشيتها ، حتى وصلت حيثُ أنا ، باغتتني بقبلةٍ مفاجئة ، لم تنتظر ردة فعلي ، اسقطت رأسها على صدري ، خفضتُ بصري ، نزعتُ رأسها .. احتضنتُ وجهها بيدين مرتعشتين ، قربتُها من وجهي ، طبعتُ قُبلةً على جبهتها ، بحثتُ فيها عن خجل منال ، رقتها .. همستها ، ابتسامتها على الأقل !
نفرتُ منها سريعا .. أكملتُ اقفال بقية أزرار بِجامتي، وقبل خروجي حدّثتها ( أنتِ طالق )

(5)

هي طبيعة الرجل التي تجعله يبحث في كل النساء عن زوجته الأولى ، لم تجعلني استكين عن البحث وقد ناهزتُ الستون عاماً ، وما زال البحث جاري !

السبت، 13 فبراير 2010

لعنة الحُب !

مضت خمسُ سنين ويوم وساعةٍ وصفر من الدقائق ، على آخرِ سنةٍ ويومٍ وساعةٍ ودقيقة قد جمعتنا ، على آخِرُ ذكرى صدى صوتٍ انطلق من حُنجرتي ، كانَ آخر ما تقلقل بهِ لِساني " يا علي " وأنا عالقةٌ بين السماواتِ والأرضون أطيرُ بسيارتي واتشقلبُ معهُ في كرنفال سيركٍ عظيم ، حتى إذا ما هوينا .. تحاشد الناس من حولنا ، بشفاهٍ متقلقلة ، وردودٍ مهما كانت مُختلفة شكلياً ونطقياً ، إلا إنها مُترادفة المعاني ، تنجرُّ جراً في سياقٍ واحد .

- لا اله الا الله
- لا حول ولا قوة إلا بالله
- أقول ليكم ما جفت اثنين يحبون بعض مثلهم ، وش بصير فيها لو درت ان رجلها مات !
- حسبي الله عليش ، طلعي برا لا تسمعش

إذاً فعلي مات ! مات علي ؟ فتحتُ عيني على عجل ، زجَرتُهن ، وَبَّختُهن ، أمرتهُن بالخروج دون عودة ، نعَّتُ من نَعَتُ بالسَفَلَة ، و أخريات بأشنع وأقبح الألفاظ والعبارات ، فَتَفَارنن كالقطط السوداء ، وأنا أبكي وأبكي على صدرِ إيمان .
مهلاً .. ! هذا ما كان من المفترض أن أفتعُله . غيرَ إنّ صوتي سَرَقَهُ عليٌ وذهب ، ليسَ صوتي وحده ، إنّما قلبي / دموعي / وطفلي الصغير ، وكلُ ما جمعناه من سنين حبٍّ ووئام . سأتركهُم في عنايته ، فحريٌّ عليَّ أن يبقى وحيداً مستوحشاً دونما أنيس .

صفقةٌ واحدةٌ من يدينِ صغيرتين كانت كفيلةً بإعادتي إلى الواقع ، ( صدت العمة سرحانه ! ) تابعت جملتها ببضعٍ قهقهاتٍ بريئة وتتطايرت كأريج الرياحين ، هي ريحانة إبنة أخي . تتطايرتُ معها أنا الأخرى ، ظفرتُ بإمساكها ، فكُنتُ استحقّ قبلةً من شفتيها الصغيرتين .
- عمه عمه .. ماما بتسافر اليوم .. والبابا زعلان وااجد .
هي لعنة الحُبّ التي حلّت على آل يوسف ، ماذا ورّثتَ أبناءك يا أبتي .. ؟ آهٌ عليكَ يا أخي من بعد إيمان . أتذكر في سنةٍ من السنوات ، جُنَّ جُنونه ، إثر سفر إيمان للحج دونه ، ولم يسترجع عقله / عافيته / جوارحه ، إلا بعد عودتها . فما حالُه هذهِ المرة ! كُنتُ اتابع ما يجري في هذا البيت بسكونٍ وهدوءٍ تام ، هذا ما كانَ يُمكنني من حلّ أكثر المعادلات صعوبة ، فأنا أتكهن ما سيقولون ، وما سيفعلون ، وغالباً ما أصيب . أن تكون ثرثاراً طيلة الوقت ، يُبعدك عن النباهه والفطنة ، ربَما لهذا قدّر الله أن أقضي بقية حياتي دون ثرثرة .

بينما ريحانه تقُصُ عليّ أقاصيصها ، وإذ بنفحة إعصار ..! لا ، لم يكن إعصار ، إنّهُ أخي ! ، حمّل حقيبة السفر المسنودة أمام الباب الرئيسي ، قذفها للداخل ، صاحت فيه إيمان !
- شقااعد تسوي !!
- ما أضن انش بتسافرين يا ايمان
- محمد !!
- إيمان !
- اللي تبيه بصير ، بس هد اعصابك !

ابتسمتُ لهم ، فهذا أخي ، وهذهِ إيمان ، وهذهِ أنا وتكهناتي التي أصيب بها للمرة الألف .

الخميس، 11 فبراير 2010

الثلاثاء، 9 فبراير 2010

رفاق

صَحَوّتُ من سُكرتي ،

أتفاجئ بُدنيا مُخيفة ،

ذئابٌ ، وثعالب ، كُنتُ أعِّدهم رِفاق !

الاثنين، 8 فبراير 2010

عندما اضع ورقةً وقلماً ،
وأبدأ في سطر أولوياتي في الحياة :


فُلان ..
فُلان ..
فُلان ..


لاشيء غيره !

عَفَن

فاحت رائحة النفوس في قريتي ،
فقيل عنها نتنه ..
بحثوا عن المصدر ،
فلم يجدوه ..
فاتهموا المجاري !

أحكامُهم باطلة إذ إنها منبعثة من ضمائهم المتعفنه !

الأحد، 7 فبراير 2010

الاعتراف بالذنب خالتي فضيلة ..

- يجب أن تكونَ أكثر وعياً يا أخي ، أخبر أمي إنك كَذِبت ، فالاعتراف بالذنب فضيلة !
- ومن هي فضيلة ؟
- خالتي فضيلة ، ألا تعرفها ؟
- أختي هل الاعتراف بالذنب خالتي فضيلة ؟

قالت " نعم " ، وراحت تلعب مع رفيقاتها ، أما أنا فبدأتُ أصافِفُ أغلاطي .. لأعترفُ بها أمام والدتي .. فالاعتراف بالذنب خالتي فضيلة كما قالت أختي عاتكة . أمسكتُ القلم بيدي اليُسرى ، فأنا ( عسماوي ) كما أخبرتني أختي .. أما يدي اليُمنى فكانت منهمكة في شقلبة الدفاتر المكتضة برسمات وخربشات عاتكة ، أبحثُ عن بياض صفحة .. فلا أجد ! ، حتى أخذ مني اليأس مأخذه ، ولم أجد بياضاً غير بياض الحائط المُغري ، وهو يشير إليّ بإصعبهِ .. يدعوني لخط اعترافاتي على ناصيته .

سمّيتُ بالله ، وصليتُ على نبيه محمد صلى الله عليه وآله ، كما علمتني عاتكه ، وبدأتُ أخِطُّ ما اقترفت . الخطيئةُ تلو الخطيئة ، بدايةً بتلاعبي بصلاة الفجر ، وشربي للماء خلسةً نهار رمضان ، وسَرقَتي لحلوى أخي جواد ، إلى أن انتهيت عندَ كذبتي على والدتي صباح اليوم .

ابتسمتُ في نفسي ، وأسرعتُ لملاقاة أمي .. رأيتها في مكانها المُعتاد .. تحومُ كالفراشة بين أخوتي الثلاثة المُقعديّن . قَبّلتُ رُكبتها .. فهي طويلةٌ جداً .. لا أطولها ، ابتَسَمَتْ واقتلعتني من على الأرض باللين ، قَبّلَتْ جُفوني ، وطَلَبَتْ مني الرحيل مخافة ازعاج أخوتي النائمين . أَبَيّتُ وطلبتُ منها ملاحقتي .. فكانت لي طائعة .

وصلنا إلى قريب محكمة الاعترافات ، اغْلَقَتْ عينيها بطلباً مني ، إلى أن وصلنا إلى موقع الحدث ، فَتَحَتْ عينيها على مهل ,, حتى توسعتا بالكامل .. ليس عينيها فقط ، بل ثغرها كان يتسع شيئاً فشيئاً .. حتى صرخت " ماهذا يا مُحمد !!! " . لم تنتظر الجواب ، فقد كانت يدها تلطمني ، تضربني بلا استحياء ، حتى هويتُ في حُجر أختي عاتكة , تشبثتُ بها وبكيت ، حتى تبللت وانزعجت من دموعي .

كانت هي المرة الأولى التي طبقتُ فيها تلك المقولة " الاعتراف بالذنب خالتي فضيلة " ، المرة الثانية عندما كبرتُ قليلاً ، كُنت حينها في الرابع الابتدائي ، عندما حضرتُ أول مجلسٍ للغيبة في حياتي .. أمرتُ صَحبِي بالمعروف , ونهيتُهم عن المنكر ، وبضرورة توبتهم لله ,, كما إن الاعتراف بالذنب خالتي فضيلة ! ,, فشاطو ضحكاً ..


شاطت عاتكة ضحكاً أيضاً لمّا قصصتُ لها ما جرى .. لِمَ يا تُرى ؟

الجمعة، 5 فبراير 2010

رائحةُ الطفولةِ لا تَكُفُ عن مُداعبةِ أَنفي ،

حتى تُحرّض جميع حواسي على الحنَين ،

فأنا أتذوقُها ،

أرمقُها ،

ألامسها ..

حين أشتهي ، وحين لا أشتهي ،

،

مؤلمة قد تكون ،

ومنعشةٌ أحياناً أكثير ،

،

استفيق من غفلة نفسي ..

على ضجيج الأطفال ،

وأسرح في هلوساتِهم ،

،

ماذا لو كان عقرب الساعة يسير بالمقلوب ،

أعني بذلك أن يتجه لناحية الغرب ،

أليسَ مُثيرا .. ؟

أ لستَ مُشتاق لصباك ؟

ثم مراهقتك ..

ثم طفولتك ،

ثم حضانتك ،

تتلذذ حلاوة رضعاتك ،

إلى أن تصل إلى خلد أمك ،

تسبح في بركة ضيقة المساحة ،

،

حتى تكمن في العدمْ !

الخميس، 4 فبراير 2010

بالصوتِ الرخِيم .. بالحُزنِ الشفيفِ بالأعيُن ,, بالظِلالِ تَمتدُ أسفَل الرمُوش الحزِينَة
بالشوقِ ،
بالحبِ ،
بكل شيئٍ ..
تنتشلني ابتسامتك ،
ابتسامتك المبتورة الحزينة ..

- صبحكم الله بالخير
.

مُقتبس من روية " ارتطام .. لم يسمع له ذوي "

،

أيُّ صباحٍ هذا .. ؟

أتراني مستصبحة بغرتك اليوم .. ؟

كُنتُ أتمنى ، لو لا إنّي لن واثقة بأني لن أستيقظ إلا بعد أن أستشعر حدة الشمس ، وأثق بكونها وصلت لـ 90 درجة !

الثلاثاء، 2 فبراير 2010

أخيراً تيقنت بأن لا شيء يستحق الاهتمام المتناهي الكامل ،

لا شيء يستحق تفريغ كُلّ أجزاء الذاكرة فيه ،

لا شيء يستحق المُكابدة والمعاناة العصيبة

نعم ، أخيراً تيقنت ،

بأن لا شيء في هذا الوجود .. { كأنت !

الاثنين، 1 فبراير 2010

الكأس الزُجاجيّ



أحاديثهُم لم تكُن لتخرُج عن نطاقِ العائلة لو لم أقُم بكسر الكأس الزُجاجي الواقع أمامي على الطاولة ، وأتظاهر بالخوف على نفسي وعليهن من بقايا الزجيج المتناثرة حول الأريكة ، فَبَدَأَتْ كلُّ واحدةٍ تُهرولُ فزعةً خائفةً على نفسها وجسدها من أن يُخدش بفعل الزجاج ، فأقبل عند ذلك عُمال المطعم وسارعوا في جمعِ ولملمةِ الزجيج .

إلا إنَّ لذة الحديث لم تجعل من الضوضاء سبباً لنسيان محور الحديث ، فما أسرع أن عُدنَ متقابلاتٍ يتبادلن أطراف الذم والمديح ، فهذهِ تقول أبي بخيل ، وتلكَ تقول أبي سخي لحد الهَبَل ، وأنا بين حديثِ الواحدة تلو الأخرى أوزعُ ابتساماتي ، وأوحي لهنَّ تصديقي وتأثري بمقولاتهن .

حتى صدمني سؤال إحداهُن : وماذا عن والدكِ يا غَسَق ؟

البديهي هو أن أجيب عليها " أبي مات " ، إلا إنّي أسقطتُ كأساً زُجاجياً آخر ، وعمّت الفوضى في المكان مرةً أخرى ، وبنفس الهلع والجزع تفاررن صديقاتي ، وبنفس النشاط تسارعَ عُمال المطعم ، أما أنا صِرتُ أتخذ من الكؤوس حُججاً لأتهرب من الأحاديث الثقيلة ، متى ما شئت ، ومتى ما صعبت عليّ الإجابة .

الأحد، 31 يناير 2010

السبت، 16 يناير 2010

وقرأنا الفاتحة ،







أَغلَقتُ المُصحَف الشَريف ، بَعدَ أَن رَسَمْتُ على شَفَتَيّ ابتَسامةَ راحةٍ وطُمَأنِينَة ، فَكُلما غِصْتُ بأفكاري ارتَسَمَتْ عَلى وَجْنَتَيّ دَائِرتَان حَمرَاوَتَان ، وَكُلما بَالغتُ فِي التَفكِير ازدَادت الحُمرَة ، حَتى انفِضُ رَأسِي ثَلاثاً وأقومُ بالتَمارينِ الصَّباحِية لأطْرُد أَفكَاري الخُجْلى كَمَا تُطْرَد الذُبَابْ .



استدرتُ قَبل أَنْ يُغادر ، بُل قَبلَ أَنْ نُلقِي تَحِية الوَداع .. أَعلمُ إنَّه لم يَكُ تصرفاً حكيماً ، وأَعلَمُ مُسبقاً أيضاً إنهُ يستَكره وَداعي له بِهكذا صُنف ، إلا إنّي أَستَوحِشُ رَحِيله ، أخافُ أن لا أراهُ مُجدداً إذا ما رأيتُ انتِكاسَتِه .


أعادَ وجْهِي إليه ، قبَّلَ غُرَّتي .. وطلبَ مِني قراءة الفاتحة !
- لِمَ الفاتحة ؟
- هَكذا .. بِنِيَّةِ التَوفِيق .


قَرأْنا الفاتِحة ورَحل . لَم يُحالِفني شُعوري يوماً ، فقد كاَن كَثيراً مَا يَتوقُ لِخُذلانِي ، فَصرتُ أصدّقُ مَشَاعِراً مَعكُوسَة ، عَلى كِل حَال ، فَأنا رأيتُهُ مِنَ الخَلفِ مُغادراً للمَرة الأولى ، وكَانت هِيَ الأخِيرَة .


جَاءَني باليومِ التالي ، مَحمُولاً عَلى النَّعشِ .. تَسيرُ مِن خَلفِه الرِّجَال ، وَتَلطُم النِّسوَة .. وَيَتَعَالى نِيَاحْ الصِّغَار .. وَتَرتَفِعُ مِنَ المَآذِن آهَاتٍ بِصَدىً يَقول : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون "

الخميس، 7 يناير 2010

قَارئة الفنجان


أخبرتُهُ بأنّي أفضَل مَن يَقرَأ الفِنجَان في الحَيّ ،
فَضَحَكَ سَاخِراً ،
قَلبتُ فِنجَانِه ،
وببتسامةٍ عريضَة أخبرتَهُ ما قَرأت ..
- أهلُكَ بعاد عنكْ
- أجَل ،
- سَرَقت قَلبكَ أنثى مِن ذي قبل ، وَلَم تتزوجها !
- أجل
- لِمَ ؟
- ألم يَظهر في الفنجان ؟
- بلا ، ظاهِرٌ إنكَ تخشى الحُّب مُجدداً ، كخِشيَتكَ من الكوابيس .. صحيح ؟
- أجل ،
- ألم أُخبِركَ بأنّي أفضَل من قَرَأَ الفنجان ؟
قالَ مُبتسِماً : صحيح ، لكن هذا فِنجانِك ، فنجاني في المطبخ مذ عشرِ دقائقْ .