الأحد، 7 نوفمبر 2010

انتظار ~



عُدتُ من عملي أجرُ خلفي حقائب تعبٍ وإرهاق . يشتدُّ عليّ التعب كُلما تذكرت حُلم تلكَ الليلة ، ويبلغ أشده عندما أتذكر التفسير الذي جلبه إليّ زميلي في العمل " حسين " من أحد رجال الدين ، الذي يتفق معهُ في المذهبية ، لا أعلم مدى إمكانية عقلي في استيعاب ذلك التفسير ،خاصة وإنّي لا أنتمي وحسين في المذهب ذاته ، ولا تصلني بهم أيّةِ صلةٍ جليّه تخولني لتصديق هذا التفسير والإيمان به !

اعتدتُ أن أسيّر حياتي و أسرتي الصغيرة في روتين معيّن لا نملّه أبداً ، كأن أعودُ بابتسامةٍ عريضةٍ رُغماً عن أنفي ، ورُغم التعب الذي أحملهُ فوق ظهري إزاء عملي من الساعة الثامنة صباحاً إلى الثالثة ظهراً . أتبادلُ القبلات و أسرتي بعفوية تامة ، أجهّز الغذاء الذي جلبهُ زوجي من المطعم القريب ، نأكل / نتحدث / نناقش / ينام زوجي والصغار ، فيما أنا أصليّ العصر وأتلو بعض الأذكار التي ورثتها من والدي" الشيخ ناصر" .
أعاودُ قراءة التفسير للمرة العاشرة والحُلم يعاودُ الانتصاب أمامَ ناظريّ كلّما سنحت لهُ الفرصة . كُنتُ في دارٍ حالكة السواد ، الظلام يلفها يُمنةً ويُسرى ، ترتعش أوصالي من اللاشيء ، أو ربما من شيء أجهله . لم يطل وجودي في تلكَ الدار ، فقد ظهرت أمامي إمرأةً قد تغشت بالسواد ، أخبرتني بأنها " زهراء " ، وقبل أن أخبرها بأنّي " إيمان " كانت قد عرفتني . كيف ؟ لا أعلم !

فتحت زهراء أمامي باباً طويلاً ، ربما كان بمقياس المائة ذراع أو أطول . أخرجتني إلى حديقةٍ غنّاء ، يملؤها كلُ شيءٍ لهُ علاقة بالجمال ، الشجر / الزهر / الجداول / العصافير ، وأشياءٌ لا أعرفها ، إلا إنّها جميلة ، بل رائعة الجمال ! . كانت تتمشى باستقامة حادة ، وأنا بجانبها أتمشى بذهولٍ حاد . حتى وصلنا لشجرةٍ غريبة الطور ، لم أعجب من النسيم الذي يُلَحِّفُ جسدي ، ولا من عبقِ الزهر الفوّاح ، ولا من جمال الأشياء المجهولة ، بقدر ما أنا متعجبة من الكينونة التي خُلقت عليها هذهِ الشجرة ، فلم تكن تحمل من الثمار شيء ، بل كانت تحملُ صخوراً مثل التي يُصلي عليها زملائي من المذهب الشيعي ويسمونها بالتُربة الحسينية . اقتربتُ من الشجرة ، وحفرتُ اسمي عليها ، دون أن أعي لِمَ فعلت ما فعلت ، عُدتُ إلى الخلف بعدَ أن وعيتُ لنفسي ، لأكتشف إن الشجرة الغريبة كانت ترمز لإسم " مهدي "!. أستدير فأرى شجرةً أخرى قد احتوت على اثني عشر تفاحة ، قد نُقشَ على كلِّ تفاحةٍ نقشاً ، لم أستطع قراءة المكتوب في كل تفاحة ، غير إن التفاحة الأخيرة كانت مضيئة، الأمر الذي جعلني أتمكن من قراءة ما عليها ، وكانَ قد كُتِبَ عليها " مهدي " بنفس طريقة الشجرة الأولى !

صحيتُ لنفسي على صوت أذان المغرب ، لا أعلم كم من الوقت استغرقت في التفكير بالمنام الغريب ، يقول حسين : نحمدُ الله على إننا ولدنا جعفريون المذهب ، وإلا كانَ من الصعب علينا إدراكَ الحقيقة ، وأنتِ تستطيعين إدراكها الآن بعد ما زارتكِ الزهراء (ع) في منامك . وقال أيضا: نحنُ الآن في طور الترقب والانتظار لمهدينا المنتظر ، الذي سيملئ الأرض قسطاً وعدلا ، بعدما مُلأت ظُلماً وجورا ، قالَ كلاماً كثيراً بشأن الظهور ، وطريقة الترقب ، ودعاء التعجيل ، وأشياء لم أفهمها .
صليّتُ المغرب ، واقترحتُ على زوجي اصطحاب الأطفال لمدينة الألعاب ريثما أنهي أعمالي المتراكمة . ما أن اختلى البيت حتى بدأتُ التنبيش في المكتبة ، لاحظتُ كُتباً كثيرة لم آلفها من قبل في مكتبتنا الصغيرة ، فالكتاب لا يهب الانسان نفسه إلا إذا أراد هو ذلك ، أبحرتُ بين الكُتب لأكتشف عوالم من الأسرار لم أكن اعرفها مُسبقاً ، وأفكار سالبة الشحنة كُنتُ أحملها بلا استحياء !، قرأت الكثير من الكُتب المهدوية التي لا أعلم كيف وصلت لمكتبتي ، منها المقنع في الغيبة ، الغيبة والانتظار لسيد محمد الحلو ، وظيفة الأنام في زمن غيبة الإمام للأصفهاني ، وقصة بقية الله في أرضه لفاديا الخفاجي. بتُّ الآن أكثر إيماناً بصحة هذا المذهب ، وبذلك المهدي الذي يترقبهُ الناس على عجل ، لم يبقى عليَّ سوى إعلام زوجي وأهلي بقرار التشيّع الذي تاقت لهُ نفسي.

تثاقلتُ الموضوع في بدايته ، واستصعبتُ طريقة الحوار التي سأفتتحها مع زوجي ، لا أبالغ إن قُلت بأنّي كُنتُ أعيش بدوامة ذلكَ الوقت . إلا إن كل تلكَ الهواجس لم يُكن لها من الصحة من شيء ، خاصّة بعدما كُشفَ الستار ، وفُضِحَ أمر زوجي الذي كان قد تشيّعَ سِراً قبل عامين !. أما أنا فقد التحقتُ بالمذهب الشيعي ، وأصبحتُ من أكثر المواظبين على حضور دعاء الندبة في صبيحة كل جمعة ، ومن الداعين لإمامنا بتعجيل الفرج . جاءني صغيري عُمر ذات مرة متسائلاً : " ماما متى بزورنا الامام المهدي ؟ من زمان وانا انطره ! " .