الاثنين، 2 يناير 2012

أنفُ عِطر..


أخلعُ نعليَّ ليُرَقِعهما العم صابِر. وسَط ضَجّة السوق، لا أرى إلا الألعاب، ولا أشمُّ غيرَ رائحةَ الشِّواء، فَهيَ بالمجَّانْ. أما طَعم الحَلاوة فهوَ غالي الثَمَن كالعادة، لِذا تحرصُ والدتي على تزويدي بطعمِ حنانٍ يفقدهُ من يُفرط في تناولِ الحَلوى.
- ها قد انتهيت، يُمكنكِ الآن الرَكضَ كأرنبٍ سريع. –قالَ العَم-
- شُكراً –قلتُ أنا- وعَجَّلتُ في نقلِ أزواجِ الأحذية إلى سلَّةِ الدرَّاجة.
- حافِظي على الأحذية، أوصِليها إلى الزَبائِن دونَ بَلَل، قودي الدَرَّاجة بِتَأَنِّي، ولا تغفلي عَن إشاراتِ المرور، ففي العجلةِ النَّدامة يا صغيرتي.

وصلتُ إلى العنوانِ المطلوب، المنزلُ رفيعٌ جداً، حتى أنّهُ يعيقُ أسرابَ الحمام، على رأسهِ قُبَعة قمعية كبيرة، كُنتُ قَد تمنيتُ مثلها الصيفَ الماضي!. النوافذ الزُجاجية تبرقُ بالألوانِ السَبعة، يااه.. كَل هذا منزل؟؟!
- ما تريدين؟ -قالَ أحدهم-
- أرسلني العم صابر مع أزواجٍ من الأحذية لسيدة المنزل.
- حسناً.. يمكنكِ الدخول من باب الخَدَم في الخَلف، لا تتأخري، سأغلقُ الباب بعد نصف ساعة.

هممتُ لحيث أشار، الزهورُ على جوانبِ الطريقِ تنشرُ رائحةً حُلوَة، يااه بُحيرة أيضاً.. وبَطَّة..! أسماكهم مُلونة...!
- من أنتِ؟ -قالت طفلة في الجوار-
- أرسلني العم صابر مع أزواجٍ من الأحذية لسيدة المنزل.
- كم عمرك؟
- لا أعلم، رُبَّما خمس.
- أنا جواهر، وأنتِ؟
- أنا ماسَة
- ماسَة.. تعالي..
جرَّتني خَلفَها.. تبعتُها وأنا أردِّد ( الأحذية .. هُناك .. الأحذية ) ..! أدخلتني لغرفةٍ بحجمِ منزلنا.. تملؤها الدُبَبة والدُمى الكرتونية، تماماً كالتي تظهر في شاشاتِ التلفزيون. صرنا نلعب.. لعبتُ كثيراً.. لا أعلمُ كم من الوقتِ مرّ، حتى دخلت سيدة تفوحُ منها رائحة نتنة كالتي شممتُها في جواهر!
- ماما.. هذهِ صديقتي ماسَة.
- كيفَ دخلتِ؟ -قالت السيدة-
- أرسلني العم صابر مع أزواجٍ من الأحذية لسيدة المنزل.
- أجل .. صابر .. أين الأحذية؟

خرجنا سَويّاً، ناولتها الأحذية، فناولتني كيسَ نقود، ودَّعتُ جواهر وشرعتُ في الرحيل। أوقفني صوتُ السيدة: ( لحظة॥ هذا العطر لجواهر، إنهُ لكِ الآن..).


في اليوم التالي، ارتديتُ أجدد ملبوسٍ لدي، ليَليقَ برائحةِ عطرٍ فاخِر॥، وخرجتُ للتسَكُّعِ مع أطفالِ الحَي। أوقفني صديقي وائل: ( ما هذهِ الرائحة النتنة يا ماسَة؟ )

هناك تعليقان (2):