السبت، 5 يونيو 2010

اعترافات باطلة


لَم أسْتَطِع مصَارحَتكِ شفوياً , فَحيائِي يستوقفني .. لستُ أَنا ذلِكَ الوَلَد الشَّقِي ، الذي طَالما يَتوقُ لِتَعذيبِك ، و تَكمُن راحتهُ في صراخَكِ وعَويلك . ربما بالغتُ في خُطَطِي الشَيْطانية ، واستَنفَذتُ طاقَتي الطُفولية في إرعَابكِ وإخافتك ، _ الآن فقط _ أعتَرِف بِسَذاجتي وغَبائي .

أتَذَكّر ، عندما كنتُ أضربكِ ضرباً مبرحاً في غِياب والدكِ ، أو دعيني أنعته بعمي _ كما تستدعي صلة القرابة _ . كُنتِ كثيرة الدلال ، بالدَّرجة التي تَجعَل من حولي يَكرهنني بِسَبَبِك ، إذ إنها المُعضلة التي جعلت حِقدي الدفين يَتَكاثَر .

أتذكرين ؟ عندما أوصَدتُ عليكِ بابَ الحمام بإحكام ، بعدَ أَن حكيتُ لكِ قصَّة العِفريت شمعون ؟ ، واحدةٌ مِن خُرافاتي اللامتناهية . ضحكتُ يومها كما لَم أضحك من قبل ، وأَنا أسمَع توسلكِ إليّ . حتى عَطَفَ قَلبي الصَغير و فتحتُ الباب ، وإذ بي أتفاجأ بتبولكِ في ملابسكِ . بعد هذهِ الحادثة صرتُ أنشُر أحدَاث القِصة عَلى الأطفال ، على الرغم من تهديد عمي المتواصل ، إلا إنّي كنتُ أستمتع بضحكات الجميع .. وأنا معهم !

جسدكِ النحيل ، شعركِ الأسود الكثيف ، كثيراً ما كانَ يسبب لي عُقدة نفسية ، سمعتكِ تحدثين زينب إبنة عمتي ذات مرّة ، تَتَشَكّين لها معاناتكِ الدؤوبة معي ، هذا ما زادَ شجاعتي وأعطاني حافزاً لبذل المزيد .
حتى كَبَرتُ .. وكَبِرتِ ، وأصبحتِ أكثر قبحاً من ذي قبل بجسدكِ السمين ، ووجهكِ المدور كبطيخةٍ حمراء ملؤها حَبٍ فاسِد من كل ناحيةٍ وصوب . أتذكر تهديداتي لكِ بالقتل عُنوة ، بعد أن أتخذتُ من السكينة الحمراء سلاحاً أبيضاً خاصاً بي . لا يخفى على ذاكرتي تلكَ اللحظات ، عندما كنتِ تشتهين الماء الذي تعده جدتي .. كنتُ أقف متوسطاً الدار بسكِّينتي مانعاً إيّاكِ ، وبدوركِ تنعتيني بيزيد تارة ، وبالشمر تارةً أخرى ، حتى تأخذني الرأفة وأهِبَكِ دقيقة واحدة تُبَللِين فيها ريقكِ بماء جدتي العذب .

آه ما أشهاه .. أما زلتِ تتذكرين طعمه ؟

وشاء القدر أن ننتقل لمنزلٍ جديد ، كانت فرحتي كبيرة .. لكنها لم تتجاوز فرحتكِ بفراقي . مضت الأيام و السنين تجري دون مستقرٍ لها ، حتى أصبحنا بذلك الصباح المفجع ، الذي سلب منا عمنا الأصغر .

كنتُ حينها في العشرين من عمري بينما كنتِ في مقبل عامكِ السادس عشر ، حينما رأيتكِ تستفرغين حزنكِ بحجرِ جدتي ، زمهريريتي اقشعرت لعاملٍ أجهله ، أو تجاهلته للوهلة الأولى .. حتى هدَأتِ وبانت معالم وجهكِ القمرية ، وجهٌ مدورٌ مضيءْ ، شديد الحمرة ، عينان لوزيتان محمرتان من شدة البكاء ، توقفتُ عن متابعة بقية المعالم .. فقد كانت نظراتكِ قاسية .. أهي نظرات حقد أم انتقام ؟ أقسم برب السماء .. لو كان لي ذرةً من علم الغيب ، لما فعلتُ مافعلت .
اليوم وبعد سبع وعشرون عاماً من حياتي .. أقولها " ليتني لم أكن " . كيف سأبدو لمن جازيته الوجع من صغري ، وأخفيتُ عشقي له في رشدي .. ! هل لي من قدرٍ بسيط من عفوك ؟

رمت الرسائل من حوزتها ، لتنبجس من بين شفتيها ابتسامة مكر تعبر عن كيدها ، وهي تعقد العزم على تجريعه ما تجرعته في الصغر .. بطعمٍ مختلف ، بطعمٍ ألذ

هناك تعليق واحد:

  1. طرح غاية في الجمالية و الاحكام البنيوي !

    سلاسة و طلاقة اللغة في نبرة بلاغية رائدة ...
    اعشق هذا النوع من الكتابة
    http://zaman-jamil.blogspot.com/
    منجي

    ردحذف