الأحد، 10 يوليو 2011

وطن الورق ..


يتلفتُ يميناً وشمالاً كقطٍ شاردٍ في حيٍّ غريب. يقيس الفراغات الفاصلة بينه وبين زملائه بحذائه الذي يحمل الرقم ثلاثون، يحدّق في ظهر الأستاذ مطوّلاً حتى إذا استأمن الوضع، طار من مقعدهِ في أول الصف، إلى مقعد زميلهِ في آخره. يحدّق في إجابات زملائه حول سؤال " ارسم وطنك ".

يضحكُ بصوتٍ عالٍ يستنهض على إثرهِ الجميع. الطلبة الذين كانوا سارحين في أوطانهم، الأستاذ الذي كان يسرق من بياض السبورة شيئاً لكتابة العنوان والتاريخ، وحتى النمل الذين كانوا منهمكين في نقل مئونتهم.


يستشيط الأستاذ غضباً، يوبخه، يحاول أخذ مبررٍ لوجوده في غير مقعده .. ليتلقى ضحكة أخرى شبيهة الأولى تماماً .. " هاهاهاها .. أستاذ .. عامر يرسم أباه .. وطنه هو أبيه !! هاهاها ". يتقاسم الصف الضحك، لا سيما صديقه السمين لؤي، حيث أن كتل اللحم المكتنزة لم تحتمل الثبات أكثر، فأخذت تهتز وتهتز اثر لسعة كهروقهقهية!


يعيده الأستاذ لمقعده بلطف بالغ، يهدئ نشاطه الفائض. يستكمل كتابة العنوان، فيما الطلبة يلونون أوطانهم بخيالاتهم السماوية. و صفحة صاحبنا الشقي تشع بياضاً!


لطف الأستاذ على ما يبدو علاجٌ منتهية صلاحيته في حالة (أمير)!. استنفر الذباب خوفاً من ضحكته التي فاقت المرة الأولى! " هع هع هع انظروا يا أصدقاء! صديقنا السمين وطنه حلوى .. هاهاهاها !! "


ارتفعت قدماه شيئاً فشيئاً.. حتى صار معلقاً بين السماء والأرض بيد الأستاذ: " أمييير .. أحذرك للمرة الأخيرة .. التزم الهدوء وارسم وطنك! ".


مرّت نصف ساعة من الهدوء، توّهم الأستاذ خلالها أن أمير استسلم وهو يلوح ببياض صفحته يمنة ويسرى! إلا أن الدقيقة التي تلتها جاءت مختلفة!
" اللص !! يسرق وطني ...! أحرى بكَ أن ترسم العلم السوري .. اترك وطني .. اتركه .."


توجهت الأنظار هذهِ المرة لمقعد سعد، يخبئ صفحته خلف ظهره، فيما أمير يحاول جاهداً الاستحواذ عليها! من بين الاثنين كان الأستاذ يحاول لملمة الأوطان: " وماذا بعد يا أمير؟ "
- " أستاذ .. سعد يرسم علم بلادي، كان أحرى لو رسم علم بلاده .. السارق تقطع يده يا أستاذ! "
- " عزيزي أمير .. سعد وجد لنفسه وطناً، ماذا عنك؟ لِمَ صفحتك تشع بياضاً؟ أتراكَ لا تعلم لأي الأوطان تنتمي بعد ... !!؟ ".


هناك 3 تعليقات:

  1. يسعدنا هذا الحرف و نسجّل وحشتنا له !

    منجي باكير

    ردحذف
  2. وبدوري أسجل تقديري لتواصكم ..
    تحية ..

    ردحذف