السبت، 17 يوليو 2010

المنفى



قذفتُ آخر قطعة لحمٍ في فمي ، من صحن أخي الصغير . ورحتُ أضحك وأنا أرى شفته السفلى تتقدمُ أماماً لِتُخَطِّر شَفَتِهِ العُليا ، وتبدأُ بالتقوسِ شيئاً فشيئاً ، حتى تتفارق الشفتان ، وتتسع في الإنفراج ، لتَخرُجَ مَوجاتٍ مدويةٍ من فمهِ الصغير ، تُحدِثُ زلزلاً في قاعة الطعام ، فأهرول إلى غرفتي غالقاً أُذُناي بيَديّ الصغيرتين .

تتسارعُ دقات الباب ، ويتعالى صوت والدتي بعباراتٍ ملؤها التهديد والوعيد ، فأدير المفتاحَ بحذر ، وأغير هيئتي الساخرة بأخرى حزينة ، بعد أن أدنيتُ حاجبِيّ أسفلاً ، وملأتُ عيني ماءً كاذباً ، وأخذتُ أسَرِّعُ في عملية تنفسي لِيُصدِر أنفي صوت الشنوكة المبكي ، وأخيراً قبل أن ألاصق ذقني بحافة صدري ، أدلي بشفتي السفلى أماماً والعليا خلفاً كما يفعل أخي الصغير على الدوام . توبخني أمي ، لكنها سرعان ما تأخذني في حجرها ، لأنسى ألم التوبيخ _الذي لم أتذوقه حتى_ ! إلا إنّها هذهِ المرة لم تكن كسابقاتها . قالت وهي تدير ظهرها الطويل ( أنت محروم من حكاية اليوم أيها المشاكس الصغير ) .

كان أهون عليّ لو وبختني بعنف أكبر ، على أن تَحرُمَني من الاستماع لحصتي من قصة اليوم ، غارت عيناي بدموعي المالحة ، أمسكتُ ساقيها فكادت يداي أن تنزلق من نعومتهما ، أعدتُ الكَرَّة متشبصاً بها بكل طاقتي . هوت نظراتها للأسفل ، حيث أُوجد أنا ، صِحتُ فيها ( لن آكل اللحم بعد اليوم يا ماما ، فقط أريدُ حكاية الشاطر حسن ) .
أعادت شعرها الذهبي للخلف وهي تقول : امم ، اقتراحٌ جيد ، لكن ليس قبل أن تطلب العفو من أخيك ، وتأخذ البراءة منه أولاً .

أخرجتُ من حقيبتي قطعة الحلوى التي خبأتها فيما سبق كي أهنأ بها بعيداً عن أحمد ، إلا إنه كما يبدو إن الله قد قدّر أن لا يخرج طعمها السكري إلا في فمه . عموماً .. فقد خبأتها في جيب بنطالي الخلفي ، وقبلتُ أحمد الصغير في خده، وبابتسامة بريئة من ثغري الصغير ، طلبتُ منه السماح ، وأخرجتُ له الحلوى من جيبي ، أمام نظرات والدتي التي كانت ملؤها الفخر بصنعي .

قارب العقرب الكبير للساعة على الوصول إلى الرقم الاثني عشر ، و إلى الرقم ثمانية يشير العقرب الآخر بإصبعه القصير جداً ، حينها صفّقت أمي معلنةً موعد تنظيف الأسنان . سبقتُ الجميع ، فحماسي لمعرفة حال الشاطر حسن في المنفى ، يدفعني لصعود الجبال وهبوطها في لحظة عين . دارت في بنات أفكاري كلمة منفى ، ترى هل هو كبلاد العجائب الذي سافرت إليه ( إليس ) .. ؟

قررتُ تأجيل استفساري لوقت آخر ، بعد أن أدركتُ نفسي سارحاً وأحمد يكاد يغلبني في تنظيف أسنانه ، عجَّلتُ في قتل جنود الجرثومات قبل أن تتجرأ لقتلي ، وهرولتُ خلف أحمد الذي سبقني للسرير الأسفل ، فكنتُ مضطراً لصعود السبع سلماتٍ لألقي بجسدي على السرير العلوي .

أغلقت والدتي الباب ، واستبدلت نور الشمسية الأبيض ، بضوء أخضرٍ خافت من المصباح الواقع أعلى الساعة ، ألقت بجسدها الممشوق على الأرض بالقرب من أحمد ، ونادت ( الشاطر حسن هل أذناك نظيفتان .. ؟ )
علمتُ حينها إن القصة قد بدأت .. فهتفت : نظيفتان ، نظيفتان يا ماما .
تابَعَت بعد قهقهاتٍ قلائل بقية أحداث القصة ، وكيف كان الشاطر حسن يصارع في المنفى الذي انساق إليه مسيّراً من قبل الحاكم الظالم . تغيرت فكرة المنفى في أفكاري ، فَرِحْتُ أسأل أمي : ( ماهو المنفى يا ماما .. أليس كبلاد إليس ؟ )

،

ألجم سؤال الصغير الأم ، فصمتت ، وطال صمتها ، فما كان من الصغير المنتظر ، إلا الإستسلام للنوم ، في الوقت الذي أجابت فيه الأم : المنفى ماهو إلا دنيا غريبة .. تُسَاق إليها إما كنعجةٍ هزيلة ، أو كليثٍ رَفضَ التَرويض .. وفي الحالتين .. أنتَ قابعٌ فيها . كحالنا نحن يا صغيري !

الخميس، 8 يوليو 2010


انهيتُه ... !
لم أتصالح معه البته ! ، النهاية جاءت غير متوقعة ، وبطعم غير مستساغ ،
في الواقع ، شعرت من البداية أن البطلة كانت تعاني من أزمة نفسية ، وحدهُ أسامة من كانَ يجعلني التهم الحروف لتقصي أخباره ،
أن تأتي النهاية لتفجعني إن أسامة لم يكن سوى وهم كانت تعيشة البطلة !
هذا ذنب لا يُغتفر .. ! =(