الأربعاء، 26 يناير 2011

ثمن



طق.. طق..

توجهتُ إلى الباب تُسابق قدماي إحداهما الأخرى في هرولة سريعة، ما أن لامستُ المقبض، حتى نفرته على عجل، وعُدتُ أدراجي سريعاً أعاين شكلي في المرآة للمرة العاشرة. "واو! لم تتحرك شعرة من موقعها، التسريحة في قمة ثباتها، والكحل أيضاً قد رسم عينيّ بشكلٍ جذاب للغاية، يتوجب عليّ شكر جارتي صفية فبضاعتها من أجود الأنواع، امم لكن.. أحمر الشفاه قد بهت لونه!!"

طق طق طق..

ألون شفتي بشكلٍ سريع باللون الأحمر وأبعث لنفسي قبلة رضا في المرآة، وبشكلٍ أسرع أهرول لملاقاة الطارق. لابد أن شوقه قد غلبه، فلم يكتفي برنين الجرس فحسب، بل أن الباب يكاد أن يُقلع من شدة طرقاته. أتذكر أول مرة رأيتهُ فيها، كان يبيعُ سمكاً في سوق البلدة، ملابسه لم تكن بذاك السوء، بل كانت تحمل شيئاً من الأناقة، وربما لن تكن تحمل شيئاً من الأناقة لو أنها اقترنت برجلٍ أقل وسامة منه، أكانَ السر في شعرهِ الأشقر؟ الذي يعيد الناظر إليه إلى زمنٍ تنعدم فيه الألوان؟ أم في عينيه التي تجعلكَ تسبحُ وكأنكَ في بحيرةِ عسل، أم..؟

طق طق.. طق طق..

لابد أنه الآن في قمة غضبه! هو يعلم بأنه يزداد وسامةً حتى عندما يغضب، خاصة حينما تتورد وجنتاه. ولوجناته حكاية خاصة، لا يسعني استذكارها.. كل ما فعلتهُ، أنني فتحتُ الباب.
دائماً ما كانت تحذرني والدتي المرحومة من شدة الفرح، وليتني استمعتُ لتحذيراتها يوماً!.. اختلفت ألواني وأنا أرى صديقتي وفاء على الطرف الآخر من الباب، خُيّلَ إلي بأن سواد الكحل قد امتزجَ مع حمرة شفاهي فصرتُ لا أرى إلا الأحمر والأسود. لابد أنها جاءت منتقمة، لابد أنها قد عرفت سر علاقتي بزوجها، لِمَ يدها خلفَ ظهرها؟ أتخبئ سكيناً؟ أتفكر في طعني حقاً؟ وفي أي المواضع؟ أين ستغرس سكينتها اللعينة؟ في جوفي.. قلبي.. أم أمعائي؟ ألن تصفح؟ وفاء لطيفة وتحبني كثيراً. إذن لِمَ خذلتها؟ لِمَ طعنتها بأكثر السكاكين حدة؟ يا ربي ساعدني.. قد سترتني طيلة السنوات الثلاث، فلا تفضحني اليوم، سأتوب إليكَ من جديد.. لا أريد هذهِ الميتة، نجني من حبالها، نجني يا رب.. يا رب.. يا رب..

فتحتُ عينيّ فزعةً على صوتها: " ألن تُدخليني الدار يا صديقة؟ "
حاولتُ صُنعَ الابتسامة، فلم أقدر، كيفَ كُنتُ أصنعها طيلة السنوات الراحلات؟.. ابتعدتُ عن الباب، فانخرطت بالدخول كتسرب دخان لا يطيق الانتظار، اختارت لنفسها أقرب كرسيّ وجلست، أراقبها برهبة شديدة، جلستها هادئة كالعادة.. احتفظت بحقيبتها في حضنها وألقت يديها على الحقيبة بارتياح. لالا..، يدٌ واحدةٌ فقط هي المرتاحة على الحقيبة، بينما الأخرى أسفلها، يا إلهي.. إذن السكين في يدها اليمنى!
تمسكتُ بالباب، مشيتُ على أطراف أصابعي أنوي الهروب، شيءٌ ما فاجأني.. سقطَ من عيني.. تحسستُ عيني بارتجاف..، ماء؟ لا.. دمع!! أخرجَت يدها من أسفل حقيبتها، فبانَ بياضها صافياً. هي لم تكن تحملُ سكيناً؟!!

أردفت بملل: " الحساب أصبح ثلاثة ملايين دولار، لاستعارتكِ زوجي ثلاث سنوات متتاليات ".
تبعثرت ألواني، أحسستُ بكتيبة هواء تتسلل لرئتيّ، بتُّ أتنفس! لم أجد نفسي إلا وقد وقَّعتُ شيكاً بالمبلغ المطلوب، استلمتهُ بابتسامة عريضة تكاد تشق من خلالها أخدوديها.
وكما أدهشتني بدخولها، كذلك حدث فور خروجها، حين قالت: " لا مانع لدي من تجديد العقد لثلاث سنوات أخريات! ".