الاثنين، 5 أبريل 2010

الثُكلى ،

عندما تشتاق المرأةُ الثُكلى .. تتوسد الثرى .. تنعى الأبناء .. تستنشقُ ريح الغائبين .. تعلو شهقاتٍ تلو الشهقات .. تصرخ ، تبكي ، تنوح ، تلوع ، تجهش ، تذرف .. لا .. هي لا تذرف ، هي لا تستطيع أن تذرف دمعة .

يهدهدها ، يطبطبها ، يدواي جراحها التي لا تلبث أن تتفجر بركاناً ، بقدر ما تهدأ لبعض الحين ، يسقيها جرعات حنانٍ ، بكأسٍ طويلٍ مقعر ، تدفعهُ ، تركله ، تشتمه .. فيبتسم .

،

ليست هي المرة الأولى التي أفشل في مداواتها .. ولن تكون الأخيرة بحسابات حدسي .. هي امرأةٌ مجنونة / وأنا رجلٌ عاقل .. منظرها يوحي بأنها تجاوزت العقد الرابع / بينما أنا الناظر إلي .. يَخالُني في نهاية عقدي الثاني ، فيما أنا في نهاية عقدي الثالث .. هي يائسةٌ / أنا حالمٌ يكسوني أمل .. بعد كل هذهِ المقارنات والمفارقات .. أما حان الحين لأن أهجرها .. ! ،
صرخاتُ الصباح والمساء تكادُ تقتلعُ أذنيّ .. استطيع سماع بوح دقات قلبها عن بعد ميل ، وهي لا تستطيع حتى أن تشعر بوجودي وأنا ملتصقٌ بها .. نعم .. هي زوجتي الثُكلى .

،

أخيراً هجرتها ، آن لي أن أنام في حضن زوجةٍ جديدةٍ تُقدّر قدسية الزواج ، دون صياحٍ ونياح .. إلا إنّي ما زلتُ أتحسسُها ، مازال بوح قلبها يرن رنيناً مزعجاً لا يتوارى عن التوقف ، دقات قلبها تخترق الطبلتين أكثر فأكثر ... رباااه ! أكادُ أجنّ !

فجأة ، توقف الرنين .. ما أن أقبلت ( نورة ) ، هرولتُ إليها ، فهرولت إلي ، ما أن تلاقينا حتى رن رنينٌ آخر .. لم يكن في أذني ، بل كان رنين الهاتف ، أسرعت إليه ، فلا يجب أن يتسرب الوقت منّا .. أمامنا ليلة حمراء ، على كل حال .. فأنا أجبت " من المتحدث .. ؟ "

- أخ عيسى .. أحدثك من مستشفى الامراض النفسية ، زوجتك التي أودعتها لدينا في الصباح ، قد ..
- قد ماذا ؟
- آجرك الله .. قد ماتت

أقلت بأنّي أستطيع سماع دقاتها من بُعدِ ميل .. ؟