السبت، 24 ديسمبر 2011

شَوكَة


سألني: أتعرفُ ما الحب يا صديقي؟
أجبتهُ بحرارة: ذاكَ الذي نأكلهُ عبرَ فلقِ قشرتهِ نصفين بقواطعنا؟ نعم يا صديقي، هو لذيذ، ويصبحُ ألذ إذا ما قُدّمَ مع الشاي الأحمر بعد الظهيرة، ياااه شهيّتَني!
أغمضَ عينيه مُسنداً رأسهُ لحافةِ النافذة: انظر لصاحبةِ القناعِ الأرجواني! ذاكَ هو الحب الذي لا يمكنكَ فلق قشرته، نعم يا صديقي، هو لذيذ، لكنّهُ محال!
خلعتُ قناعيَ الأحمر واستعنتُ بنظاراتي الطبية: أيَهم يا رجل؟ فكلهنَ متنكرات!
- تلكَ التي تميّزُ نفسَها بنفسِها، بلونها الذي يكتسحُ الألوانَ في كلِّ الفصول، تلكَ التي إن سألتكَ من أنت؟ غابت عن فضائكَ كلّ الحلول. ترتدي ريشَ طاووسٍ لا يمكنهُ كبشَ ذاك الغرور. هيَ من كُنتُ أسرقُ النظرَ لشرفتها كُلّ صباحٍ، إبّانَ استعدادها لمدرستها، فتصيبني بسهامها أكثر المواضع حرجاً، وإن كانت يوماً قد خففت وابلها، قذفتني بجمرةٍ أسفل رقبتي لأن لا أعيد رفعَ ذاتي قِبالها!

- ذاتَ القناع الأرجواني؟
- ذاكَ هو الحب! عندما نصحني الحاج متولي بأكلِ خمسِ تفاحاتٍ من دُكّانه، قال إنها تُجلبُ الحظ، وتَهِبُ جرعاتٍ لا مُتناهية من الجرأة. جرّبتُها!

- أيُعقل؟
- نعم، ولن تُصدّقني إن أخبرتكَ بأنَ تفّاح الحاج فاسد، يبيعُ الفاكهة بعد شهرٍ من انتهاء صلاحيتها لأن لا يخسرَ جُنيهاً واحداً.

- أنفعكَ فسادها؟
- يا صديقي! كيفَ لا وقد تقيأتُ جعبتي في حضرتها!

- يحيا الحب!! وما كانَ شعورك؟ شعورها؟ ماذا ماذا؟
- لذيذ، قد تقيأتُ تُفاحاً فاسداً يا رجل!!

- ماذا ماذا؟ هاهاهاها لا تقلها! لِمَ لمْ تحاول إخبارها مجدداً إذن؟
- مُحال، صادفتها في الحي بعدَ أسبوعين من الحادثة، حينها سألتني: من أنت؟

أحزنني، وبقدر ما أحزنني، دقَ الفضولُ خاطري وقالَ لي هيا إلى العمل. اقتربتُ منها بعد أن ارتديتُ قناعيَ مجدداً. تجذبُ الضيوفَ حولها كما تجذبُ قطعة الحلوى قبيلة نمل! أيُّ وجهٍ يختبئُ خلفَ ذاكَ الأرجوان؟ إن كانَ بحوزتها كلّ الجمال أم لم يكن، متيقنٌ بأن الحياةَ حبتها حبَّ أناسٍ لا يمكنُ تعدادهم، ولها في صديقيَ العاشقُ تِبيان!

في زُمرةِ التفكير ناولني صديقي ...
- شوكة؟؟
- نعم شوكة .. وينقصكَ ذيلاً إضافة إلى أذناكَ القمعيتان وأحمركَ القبيح، لتظهرَ حقيقتكَ النكراء!
- تعال ياصـ ... يا الهي كانَ قصـ... اععععع " عذراً، فأنا أتقيأ خمسُ سنواتٍ من الصداقة الفاسدة "!

الاثنين، 3 أكتوبر 2011

تسييس الأطفال سياسياً عاد؟



الخونة، المخربين! .. أظافرهم العفنة لم يسلم منها حتى الأطفال .. فأخذوا يحفرون عقولهم سوادَ أفكارهم لإطاحةِ نظامٍ/ قيام مملكة دستورية/ حرّية/ عدالة/ مساواة. أيصدقُ أحدكم بأنها لغة أطفال؟ " الله يرحم أيامنا ما كنا نعرف إلا اللعب! "


مهلاً.. أنا الطفلة التي لم تعرف من أيامها ( وأعني هنا أحداث التسعينات ) سوى النقش فوق الجِدار المتهرئ عبارةَ " بسم الله الرحمن الرحيم "، كُنتُ أخاف في ذاتي اعتقال والدي. أحصّنهُ بتلاواتٍ عَفَويَّة لم يسيّسني عليها أحدهم! وعندما أذكر اعتقال، لم يكن أحدٌ مجبوراً لأن يترجم لي بأن من وقعت عليه سيكون بعيداً عن الحياة، خلفَ أربعةِ أو خمسِ حديدياتٍ عموديّة. فقد كُنتُ أرى ترجمتها واقعياً في اعتقال أبناء عمومتي!. نعم.. لم أكن أعيّ جرائم نظامنا خلف الحديديات " الله يرحم أيامي "!


نعود للتسييس البغيض!
أيُّ تسييسٍ ذاكَ الذي يحتاجهُ طفل السادسة وما تلاها، وهو الذي يرى جدّه مفلوقَ الرأس،دماغَ أخيهِ فوق الأرض، مقطّع الأوصال। بل حتى عندما يسأل عن أمه لا يجدها! – قيل خلفَ القضبان! أيُّ تسييسٍ ذاكَ الذي يحتاجه من كانَ والدهُ/ والدتهُ في رحمِ الموت! –وهنا أعني المعنى الدقيق الذي يمثلهُ سجن النظام -। (ههه) بل أيُّ تسييسٍ يحتاجهُ من عُذّبَ وانتهكت فيه حقوقَ الطفولةِ أصلاً؟ أأكمل؟ ...


هنا نسأل: " من يرحم أيامهم؟ "

السبت، 20 أغسطس 2011

قدر مثعول


أحدّقُ في عينيهِ المتفرقتين، فمهِ المُحدَّب، جناحهِ المبتور! أحدّق بأحلامٍ طارت بعيداً في سماءِ الموت! كيفَ لم يستشعر؟ ربااه! نسيتُ بأنّي قرناه.. نسيتُ حادثة البتر! نسيته، نسيتُ نفسي، نسيتُ أحلامنا القصيرة! أيُّ أقدارٍ تلكَ التي تُفرِّغُ إبريقَ همومنا في فنجان، تملؤهُ سُكّراً، تذوّقنا إياه في مرّ ليالينا، تنفخُ فيه أملاً يقشعُ منهُ غبرة اليأس العالقةِ في الحواف! تُهديني عُمراً وتسرقهُ منك!
رفعتُ غيّ ردائي، ربطته أسفل خاصرتي، كفكفتُ الماضي، ودَّعتُ شطري، ورحلتُ من حيث ابتدأنا. من معبد القنط..! من حديث الجد عكم حين قال: " لتحيوا ضِعفَ الحياةِ المقدّرةِ لكم، اصنعوا ثلاثة أعمالٍ حِسان تنفع غيركم، ولا تَضُرْكُم. "
تركتُ أخي الملدوس بفعل حماقتي، ورحتُ أبحثُ عن ثلاثِ أعمالٍ حِسانْ! أثعلُ بهم عمري..!
هناك، على بُعد مترين، عائلةٌ سعيدةٌ تجمعها ابتسامةٌ، تملؤها محبةٌ، تغرفُ من فيض الحياةِ (سِتّها)، بطفلها، ببعلها، وعمّها! تخيطُ للزمنِ الأسودِ قناديلَ البياض، تملؤني حياة! تذكرني بماما. أتسربُ لسيارتهم عبر ضحكاتهم، أصغي لفوازيرَ جدهم، أدخلُ من حيثهم لحيث أكون بينهم! فيصرخُ ربّهم!
- اللعنة! ذبابةٌ ملعونة شتت تفكيري.. سلكنا طريقاً آخر!
- كان يجب أن تنتبه.. ما يعني أن تهزمكَ ذبابة؟
- لتذهبي معها إلى الجحيم، اصمتي يا امرأة!
تمسحُ بطرفها، أسفل جفنها، تحاولُ جمعَ عزّها، تغيبُ عن عالمها، فيرنُّ هاتفها!
- مرحباً !
- عزيزتي فرح، تأجلت الحفلة، الطريق المؤدي للمزرعة خطرٌ جداً، حادثٌ جمعَ ستٌّ مركبات، ولا علمٌ لنا بتفاصيل أخرى!
تسربتُ من ذات الفراغ الذي أدخلني. هذهِ المرة، بجناحيّن إلا رُبع! لم أستطع مجاراة الرياح، ولا سنى الشمس! سارعتُ بالهبوط على أقربِ لونٍ بنيٍّ صادفته. تَسَرُّبُ سّكرٌ لفميَ المقعّر وصُراخَ طفلٍ، جعلني أتيقن بأنّى أعتلي مثلجات شوكلاة !
حُذِفْنا أنا والمثلجات! قبل أن تَحُسّني الأرض، جدّفتُ بكل قوتي، لأتعلقَّ على.. ! على ربطةِ عنقٍ من قماشٍ فاخر! .. همهمات رجل الربطة لم تكن صعبة السماع!
- يالهُ من طفل! أكان يعلم بأن المثلجات مسمومة؟
حُذفت مرةً أخرى، بيدٍ تناقضُ نعومة قماشِ صاحبها. أتكأتُ على عربةِ مثلجات، رائحتها تنخرُ حواسي! هناك، لم يكن صعبٌ عليّ سماع عجوزين أكلَ منهما العمرُ حتى تخن!
- أرجوكَ يا ثيّد، أعد النظر في الأمر!
- أتفهمكَ يا ناجي، لكن كما تعلم طفلتي مصابة بوسواس النظافة! منزل المزرعة محاط بكل أنواع الحشرات، ومنزلي الذي تسكنه نظيف ومؤهل للسكن رغم بساطته.
- وعملي؟ عمل ذوجتي؟ مدارث الأطفال؟ ولدي أحمد مكفوف وقد اعتاد على المنذل..
- الليلة سأرسل شاحنة تنقلكَ وعائلتكَ إلى حيث تشاء، منزلي وأريده، حقي يا أخي.. حقي!
- حثبي الله ونعم الوكيل!
هو العمل الثالث المتبقي! ليثعل عمري، وأثعل أنا! فناجي يحتاج حشرة، وأنا .. ؟ وأنا أحتاج حُسنى. أي ناجي يحتاجني، وأنا أحتاج ناجي!
الساعة السابعة، الجميعُ مترقب.. ناجي وزوجته يربطان حاجياتهم في قماشٍ طويل، الأطفال يحدّقون في كلّ شبرٍ من ذاكرتهم، دموع البعض قد خانته، وآخرٌ يطبطبْ. الأطفال السبعة يرهطون بعضهم في حلقةٍ دائرية .. ! ويُطرق الباب!
- سيد ناجي .. ءأنت مستعد؟
- وعليكم الثلام ورحمة الله، نعم ثيدي، وعثى أن تكرهوا ثيئاً وهو خيرٌ لكم!
- طفلتي مبروكة .. مارأيكِ بالمنزل؟ أيروقُ لك؟
خرجتُ من تحتِ إزار ناجي، لأحطّ رحالي على أنفِ مبروكة المسنن. بحركةٍ بطيئةٍ خفضت بصرها لأنفها، وبحركةٍ أسرع فتحت فاهها، وبحركةٍ فاقت استيعابي أخرجت موجاتٍ مدويّةٍ من...
- أأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأه !
ضجّ المنزل! مبروكة تفر هاربة، الأخوان السبعة بين المد والجزر، ناجي وزوجته يجاهدون في التبرير، فيما الرجل الآخر قد فر خلف ابنته! العمل الثالث وقد أنجزته. حان لي أن أرتاح، وضعتُ رجلاً فوق رجل، رجلٌ فوق رجل، رجلٌ فوق رجل، واستلقيتُ على كتف أحدِ الصبية!
- ما مثدر الذبابة؟ ألم تتخلثي من القمامة؟
- بلا ..
- بابا بابا .. أتقثد هذهِ الذبابة؟ قتلتها.. لاشيء يدعوا للقلق!

الأحد، 10 يوليو 2011

وطن الورق ..


يتلفتُ يميناً وشمالاً كقطٍ شاردٍ في حيٍّ غريب. يقيس الفراغات الفاصلة بينه وبين زملائه بحذائه الذي يحمل الرقم ثلاثون، يحدّق في ظهر الأستاذ مطوّلاً حتى إذا استأمن الوضع، طار من مقعدهِ في أول الصف، إلى مقعد زميلهِ في آخره. يحدّق في إجابات زملائه حول سؤال " ارسم وطنك ".

يضحكُ بصوتٍ عالٍ يستنهض على إثرهِ الجميع. الطلبة الذين كانوا سارحين في أوطانهم، الأستاذ الذي كان يسرق من بياض السبورة شيئاً لكتابة العنوان والتاريخ، وحتى النمل الذين كانوا منهمكين في نقل مئونتهم.


يستشيط الأستاذ غضباً، يوبخه، يحاول أخذ مبررٍ لوجوده في غير مقعده .. ليتلقى ضحكة أخرى شبيهة الأولى تماماً .. " هاهاهاها .. أستاذ .. عامر يرسم أباه .. وطنه هو أبيه !! هاهاها ". يتقاسم الصف الضحك، لا سيما صديقه السمين لؤي، حيث أن كتل اللحم المكتنزة لم تحتمل الثبات أكثر، فأخذت تهتز وتهتز اثر لسعة كهروقهقهية!


يعيده الأستاذ لمقعده بلطف بالغ، يهدئ نشاطه الفائض. يستكمل كتابة العنوان، فيما الطلبة يلونون أوطانهم بخيالاتهم السماوية. و صفحة صاحبنا الشقي تشع بياضاً!


لطف الأستاذ على ما يبدو علاجٌ منتهية صلاحيته في حالة (أمير)!. استنفر الذباب خوفاً من ضحكته التي فاقت المرة الأولى! " هع هع هع انظروا يا أصدقاء! صديقنا السمين وطنه حلوى .. هاهاهاها !! "


ارتفعت قدماه شيئاً فشيئاً.. حتى صار معلقاً بين السماء والأرض بيد الأستاذ: " أمييير .. أحذرك للمرة الأخيرة .. التزم الهدوء وارسم وطنك! ".


مرّت نصف ساعة من الهدوء، توّهم الأستاذ خلالها أن أمير استسلم وهو يلوح ببياض صفحته يمنة ويسرى! إلا أن الدقيقة التي تلتها جاءت مختلفة!
" اللص !! يسرق وطني ...! أحرى بكَ أن ترسم العلم السوري .. اترك وطني .. اتركه .."


توجهت الأنظار هذهِ المرة لمقعد سعد، يخبئ صفحته خلف ظهره، فيما أمير يحاول جاهداً الاستحواذ عليها! من بين الاثنين كان الأستاذ يحاول لملمة الأوطان: " وماذا بعد يا أمير؟ "
- " أستاذ .. سعد يرسم علم بلادي، كان أحرى لو رسم علم بلاده .. السارق تقطع يده يا أستاذ! "
- " عزيزي أمير .. سعد وجد لنفسه وطناً، ماذا عنك؟ لِمَ صفحتك تشع بياضاً؟ أتراكَ لا تعلم لأي الأوطان تنتمي بعد ... !!؟ ".


الجمعة، 22 أبريل 2011

أهرب ..!




للجبان 36 حلاً، فيما أنه يختار ويحبب حلاً واحداً فقط ألا وهو الهروب ..

على نفس المساق تتسابق الحكومات العربية لتصفية أمورها وتسوية أوضاعها عامةً في شتى المجالات، ولعلَ آخرها تلكَ الفتوة التي حرمت التظاهر، ونسفت كل ما علمونا إياه في مناهجهم ومدارسهم، بل إنها تعدت ذلك ونسفت الآيات والأحاديث المتوارثة عن الصحابة والصالحين، من مختلف المذاهب، والتي جاءت نقلاً من رسولنا الأعظم محمد (ص)।

يا سادتي أين ذهبَ حديث أبي إمامه، الذي حفظناه عن ظهر قلب في المدارس، والذي نصَ على وجوب قول كلمة الحق عندَ سلطانٍ جائر। إذ يقول: أتى رجل رسول الله (ص) وهو يرمى الجمرة, فقال يا رسول الله أي الجهاد أحب إلى الله؟ فسكت عنه حتى إذا رمى الثانية عرض له, فقال: يا رسول الله, أي الجهاد أحب إلى الله؟ قال: فسكت عنه, ثم مضى رسول الله (ص) حتى إذا اعترض الجمرة الثالثة عرض له, فقال: يا رسول الله, أي الجهاد أحب إلى الله؟ قال " كلمة حق تقال لإمام جائر". بل علمونا بأصرح من ذلك في حديثٍ للرسول (ص) قال: " إذا تهيبت أمتي أن تقول للظالم يا ظالم فقد تُودع منها " .

المتابع لقرارات الحكومات العربية التي تتخطى ما بين المد والجزر/ القمع والحوار/ القتل والسلم/ يدرك جيداً بأن مثلهم مثل الجبان ॥ يترك حلول التسوّية ليختار من بينها الحل الأمثل ( الهروب)। وأبسط الهروب هو التشريع في الدين ..! تعبنا و تورمت حناجرنا ونحن نخبرهم بأن السرقة حرام، وهم لا يتوانون على سرقة مالنا/ أراضينا/سواحلنا. تعبنا و تورمت حناجرنا ونحن نناديهم بأن الخمر والعربدة حرام! وهم يزيدون في إقامة المراقص. تعبنا وتورمت حناجرنا ونحن ندعوهم لحقن دماء المسلمين! وهم يستوحشون في استباحة الأرواح أكثر من سابقاتها. تعبنا وتورمت حناجرنا ونحن ننهيهم عن استباحة بيوت الله، وهم لا نلتمس منهم أي هوان في سحق مسجدٍ أو حرق قرآن! وبعد هذا وذاك يأتي شيخنا الجليل في عام 2011، حيث عقول البشر انفرجت على مصراعيها، ليفتي لنا بأن التظاهر حرام !!

أخشى أن يأتي زمنٌ يحرِّمون فيه الصلاة .. لحاجة في نفس يعقوبهم !

الأحد، 27 مارس 2011

كانت لنا كرامة!

في صباحٍ لا أذكره، وساعةٌ تناسيتها، ولدت لنا في بلدتي طفلة تُسمى "كرامة"، مجهولة المولد، بصفة شرعية। كيف॥؟ لا أحدَ يعلم! كنّا قد تآلفنا عيشة الظلام، وربما أحبها البعضُ حتى! بالدرجة التي كنا نخافُ نورَ الشمس، فنقضي نهارنا سُباتا، وليلنا معاشا!

ولدت " كرامة " من صخرةٍ كبيرةٍ تحملها ستُ أعمدةٍ واقعةٍ بين نهرين। لا أعني أنها ابنة صخرة! لكن॥ هكذا توارث الأهالي قصتها، كونُ أول من رآها، وجدها بالقربِ من تلكَ الصخرة.

كرامة، التي ارتابَ منها نفرٌ من الأهالي أول وصولها، وما تفانوا في محاولاتٍ بائسةٍ لإخراجها حيناً واغتيالها حيناً آخر! كَبُرَت بشكلٍ لافتٍ للغاية॥ ومع كلِّ سنةٍ تكبُرُ فيها، كانت تُحدِثُ زلزالاً في بلدتي.. يخافهُ الجميع! عنّي أنا.. لم أعد أذكر شيئاً! فكلُّ ما خزّنتهُ ذاكرتي سابقاً، قد تسرّبَ دونَ أن ألحظه، فذهبَ مع مهبِّ ريحٍ حملت لنا كرامة!

الحياةُ مختلفةٌ تماماً، شمسُ النهار لم تُعِد تُخيفُ الأهالي، حتى أنهم أمسوا يستعينون بشموعٍ إذا ما حلّ الظلام॥! البلدةُ التي كانَ الجميعُ يزيحُ أنظارهُ عنها.. لفقرها/ تعاستها/ ومحو الحياة على أرضها، أصبحت تستقطبُ العالم في بقعتها الصغيرة..، حتى الطيور أصبحت تتزاحم على أغصانها..، الشمسُ تُحاربُ السّحاب إذا ما حاول حَجبُها!

من بلدتي॥ ولد الثقافة/ الحريّة/ العلم/ الحياة/ والإنسانية، ولِدَ الذّهبَ والفضّة، ولِدَ المالَ والألماس.. حتى انطلقَ مُسمّى " التجارة "!!

في صباحٍ لا أذكره، وساعةٌ تناسيتُها، استيقظتُ على نياحِ شيخٍ وطفلْ../ وصوتُ ديك وكلب../ ولا أذكرُ إن سمعتُ هديلَ حمامةٍ أو حِسَّ خَيلْ..، لكنْ! عندما سألتهم عن السبب. قالوا: ( بيعَتْ كرامة للرجلِ الأصفر! ).

الأربعاء، 23 فبراير 2011

طمبورطين



كان يا مكان في قديم الزمان، وسالف العصر والأوان، يُحكى أن هناك بلدة نائية حباها الله من خيراته مالم يسمع به بشرٌ قط، إلا في حكوات الجدات، وخرفنة المجانين، فحدث أن امتحن الله قلوبهم في محبته يوماً، فما نجحوا إلا ما رحم الرب، فانقلبت تلك البلدة الجناء، إلى زريبة عفناء، أسموها فيما بعد " طمبورطين " كما انقلب أهاليها إلى حيواناتٍ تحتضنهم زريبة!

فلما امتلأت الحيوانات ذلا وقهرا من زعيمهم الثور طمبور، فاضت نفوسهم جرحاً من عجرفة الطبقة المخملية المتكونة من حفنة كلابٍ وخرافٍ وخنازير، وقعّوا عريضةً يطالبون فيها مطلب واحد يُسمى " العدالة"، سلّمها الحمار " آرنو " لأحد كلاب طمبور المقربين!

في أحد الأيام لما خرج طمبور في رحلةٍ استكشافية للزريبة، نسيت حاشيته جلب البساط الأحمر، فأخرج الكلب العريضة، لتكون مداساً أحمرٍ لما فيها من دماءٍ وجراح، لأقدام طمبور.

فشاعَ خبراً في الزريبة نشرته الخراف: " العريضة تحت أقدام الملك، العريضة تحت أقدام الملك، العريضة تحـ ... ". انتكست رؤوس الحيوانات خَيبة، حتى كادت أن تنسى لونُ السماء، فصرخ آرنو فيهم: " كفاكم يا أصدقاء، إن الشمسَ لا تنحني إلا لتبلغ قلب السماء، فابلغوا قلب سمائكم "

أُخرِسَ آرنو، بحجة ال ..... ، ووضعوا فوق رأسه منارةً من نار؛ لِتُحرِقَ فيه صوت الحق الذي لا يبرح الصمت ليلاً أو نهار! فيما لم يخرس الصوت الذي صار يتردد في رؤوس الحيوانات، فانطلقوا في ليلةٍ ظلماء حاملين مشاعلهم في اعتصامٍ مطلبهُ ’ فسحة لتحسين مستوى المعيشة !

فرد عليهم طمبور بأن أمر كلابه بنهش لحومهم، وخنازيرهُ بتنجيسهم وحلاً؛ بتهمة ال ..... ! فيما تعالت صوت خرافهِ " امباااع .. امبااااع " ..
فوطأ طمبور طيناً أبى أن يتشكلَ يوماً على هواه، وصار يضحك ويضحك، وقدماه تسبحان في دمٍ من طين!

الأربعاء، 26 يناير 2011

ثمن



طق.. طق..

توجهتُ إلى الباب تُسابق قدماي إحداهما الأخرى في هرولة سريعة، ما أن لامستُ المقبض، حتى نفرته على عجل، وعُدتُ أدراجي سريعاً أعاين شكلي في المرآة للمرة العاشرة. "واو! لم تتحرك شعرة من موقعها، التسريحة في قمة ثباتها، والكحل أيضاً قد رسم عينيّ بشكلٍ جذاب للغاية، يتوجب عليّ شكر جارتي صفية فبضاعتها من أجود الأنواع، امم لكن.. أحمر الشفاه قد بهت لونه!!"

طق طق طق..

ألون شفتي بشكلٍ سريع باللون الأحمر وأبعث لنفسي قبلة رضا في المرآة، وبشكلٍ أسرع أهرول لملاقاة الطارق. لابد أن شوقه قد غلبه، فلم يكتفي برنين الجرس فحسب، بل أن الباب يكاد أن يُقلع من شدة طرقاته. أتذكر أول مرة رأيتهُ فيها، كان يبيعُ سمكاً في سوق البلدة، ملابسه لم تكن بذاك السوء، بل كانت تحمل شيئاً من الأناقة، وربما لن تكن تحمل شيئاً من الأناقة لو أنها اقترنت برجلٍ أقل وسامة منه، أكانَ السر في شعرهِ الأشقر؟ الذي يعيد الناظر إليه إلى زمنٍ تنعدم فيه الألوان؟ أم في عينيه التي تجعلكَ تسبحُ وكأنكَ في بحيرةِ عسل، أم..؟

طق طق.. طق طق..

لابد أنه الآن في قمة غضبه! هو يعلم بأنه يزداد وسامةً حتى عندما يغضب، خاصة حينما تتورد وجنتاه. ولوجناته حكاية خاصة، لا يسعني استذكارها.. كل ما فعلتهُ، أنني فتحتُ الباب.
دائماً ما كانت تحذرني والدتي المرحومة من شدة الفرح، وليتني استمعتُ لتحذيراتها يوماً!.. اختلفت ألواني وأنا أرى صديقتي وفاء على الطرف الآخر من الباب، خُيّلَ إلي بأن سواد الكحل قد امتزجَ مع حمرة شفاهي فصرتُ لا أرى إلا الأحمر والأسود. لابد أنها جاءت منتقمة، لابد أنها قد عرفت سر علاقتي بزوجها، لِمَ يدها خلفَ ظهرها؟ أتخبئ سكيناً؟ أتفكر في طعني حقاً؟ وفي أي المواضع؟ أين ستغرس سكينتها اللعينة؟ في جوفي.. قلبي.. أم أمعائي؟ ألن تصفح؟ وفاء لطيفة وتحبني كثيراً. إذن لِمَ خذلتها؟ لِمَ طعنتها بأكثر السكاكين حدة؟ يا ربي ساعدني.. قد سترتني طيلة السنوات الثلاث، فلا تفضحني اليوم، سأتوب إليكَ من جديد.. لا أريد هذهِ الميتة، نجني من حبالها، نجني يا رب.. يا رب.. يا رب..

فتحتُ عينيّ فزعةً على صوتها: " ألن تُدخليني الدار يا صديقة؟ "
حاولتُ صُنعَ الابتسامة، فلم أقدر، كيفَ كُنتُ أصنعها طيلة السنوات الراحلات؟.. ابتعدتُ عن الباب، فانخرطت بالدخول كتسرب دخان لا يطيق الانتظار، اختارت لنفسها أقرب كرسيّ وجلست، أراقبها برهبة شديدة، جلستها هادئة كالعادة.. احتفظت بحقيبتها في حضنها وألقت يديها على الحقيبة بارتياح. لالا..، يدٌ واحدةٌ فقط هي المرتاحة على الحقيبة، بينما الأخرى أسفلها، يا إلهي.. إذن السكين في يدها اليمنى!
تمسكتُ بالباب، مشيتُ على أطراف أصابعي أنوي الهروب، شيءٌ ما فاجأني.. سقطَ من عيني.. تحسستُ عيني بارتجاف..، ماء؟ لا.. دمع!! أخرجَت يدها من أسفل حقيبتها، فبانَ بياضها صافياً. هي لم تكن تحملُ سكيناً؟!!

أردفت بملل: " الحساب أصبح ثلاثة ملايين دولار، لاستعارتكِ زوجي ثلاث سنوات متتاليات ".
تبعثرت ألواني، أحسستُ بكتيبة هواء تتسلل لرئتيّ، بتُّ أتنفس! لم أجد نفسي إلا وقد وقَّعتُ شيكاً بالمبلغ المطلوب، استلمتهُ بابتسامة عريضة تكاد تشق من خلالها أخدوديها.
وكما أدهشتني بدخولها، كذلك حدث فور خروجها، حين قالت: " لا مانع لدي من تجديد العقد لثلاث سنوات أخريات! ".