الأحد، 21 أكتوبر 2012

رهائن 1 / الجسر



-1-
يومها، انطلقتُ معَ سالمٍ في الواحدةِ ظهراً قاصدَين الإحساء، لاصطحابِ خليلٍ لنا يُدعى سعيد، ومن هناك ننطلقُ مرةً أخرى لقطر، حيثُ نشتري بضائعنا، لنبيعها مرةً أخرى، تماماً كما تجري الحياة، بيعٌ وشراء، شراءٌ وبيع، لا أحد يأخذُ الماءَ ولا الهواءَ ولا الأمنَ بالمجّان، بل حتى كمَا تقول جدتي " لو الصلاة بالمجان لم يُصَلِّ أحد ".

الحركة طبيعية، عدا شيئاً من نظراتِ موظفيّ الجسر، والتي قد تبدو طبيعية إذا ما ربطناها بالأزمة الموجودة في الوَطن .. آآه !

انتقلنا للضفةِ الأخرى، حيثُ إسلامٌ، وحَرمَينِ شريفين، حيثُ مسلمونَ وقِبلَتِهم، حيثُ يقطنُ صديقنا سعيد .. آآه !

حمّلَ سعيد السيارة أضعافَ حِملهِ من الحلوى، قال إنّها تجلبُ السعادة. يقول سعيد ضاحِكاً:" كُلْ كِتكات وانسى حالك ". يجيبه سالِم: " إيِوَه، حِلوة مَرَّة يا شيخ ". نضحكُ نحنُ الثالثة على أنغام أنشودة ثورية- اختارها سالِم- .. آآه !

لم نكن نعرفُ كم استغرقَ العُمّال في رصفِ الجسر، ولا كم المدّة التي قضوها في دراسة الجدوى، ولا كم طنّاً تحملهُ حافلات الشحن، ولا كم كيلو جراماً تحملهُ حضرة المحقق، تماماً كما لا نعلم سبب وجودنا في مركز الشرطة، هنا في قطر.

حسبما يذكر ملف القضية، فأنتم متَّهمون بالاشتراك في خلية إرهابية،تفجير جسر الملك فهد، وتهريب أسلحة إلى سوريا! – قالَ الضابط –
سيدي، نحنُ لا نمتلكُ من أجنحةِ نقلٍ سوى هوياتنا التي تخوّل لنا السفر عبرَ دول الخليج العربي، سوريا سيدي الضابط تحتاج لجوازات سفر، وهذا ما لا نملكه أنا وسالِم. –قلتُ أنا-
لم يشفعْ التحليل الذي لابد لهُ أن يكونَ منطقياً لدى الضابط، قبعنا حواليَ الشهرَ في قطر، لا نعلمُ من الاتهاماتِ الملفقة بنا إلا ما يُقال ونسمعه. السجنُ يأكلُ في لحومنا كلّما جاع، ويشربُ من دمائنا متى أحسَّ بالظمأ. للسجنُ لونٌ واحد، هو الأسود، ورائحةٌ واحدة، هي المَوت.

-2-

هذا ما قصّهُ صديقي حينما أفرجوا عنه قبلَ أشهر، صديقي الآن عالقٌ في السجن ثانيةً، حينَ حاولَ السفر ثانيةً، إلى الضفّةِ الثانية.
.
.

تمت

إن كانَ هناك تشابه بين شخصيات القصة والواقع، فهو مقصود .. 



الاثنين، 9 يوليو 2012

ال كِنَّه ..





عبثاً أحاولُ تهذيبها، عبثاً أجُرّها يومياً لآلةِ الغسيل، عبثاً أنشرُ ملابسها الداخلية/ قمصان نومها أمامَ عينيها اللتين لم تذقِ احمرارَ الخَجَلِ يوماً. أفركُ ال ....... الذي اختلطَ مع سروالها الداخلي، تَبتسِم.. تساعدني في غسلِ حمالةِ صدرها، تجرُ قميصها الأحمرَ من يديَ بضحكةٍ خافته، تغسلهُ سريعا، تلقي بهِ في سلةِ الشطفِ الأخير، وهكذا حتى ننشرُ الملابسَ سويةً ثم نعدُّ الغذاء. هكذا ظهرَ كلِّ جُمعة.

الغريبُ في كِنَّتي هذهِ بأنها تعزل جميعَ ملابسَها، تَغسلهم فُراداً في آلة الغسيلِ خاصَّتها، عدا ملابسِ نومِ ليلةِ الجُمعة! حاولتُ تنبيهها عدَّةَ مراتٍ، إلا إنها تنفجرُ ضحكاً ما أَنْ أفتحَ قفلَ الحديث. كأن أقولَ: " ملابس النومِ يا عزيزتي لا ... " . تقطعُ ضحكتها حديثي: " لا عليكِ يا عمة، ما مِن خَجَلٍ بينَ النساء ".

في كلِّ مرةٍ أحاولُ إخبار ولدي عنها، يمنعني زوجي بقصةِ ( خراب البيوت )، أتفهمُ ذلكَ جيداً، أتذكرُ عمتي أم زوجي، شبابيَ، وخجلي شديدُ الحُمرة. أبحثُ عن حيلةٍ توصلني لمطلبي بطريقةٍ لبقة، تماماً كمن يأكلُ الرز بملعقةٍ، ويقطعُ اللحمَ بشوكةٍ وسِكين.

مساء الخميس لم تنم كنّتي، ولم أنم أنا، بقينا مستيقظتينِ في غرفةِ الجلوسِ نشربُ القهوة حتى دقت الثالثة، حينها استأذنت هيَ ! أحسستُ بكمية الكلام التي كانَ في جعبتها، وربما كانَ بقياس ما في جعبتي، إلا إنَّ ما من كلمةٍ خرجت من كلتينا.

حينَ قاربت الساعة أن تشيرَ للخامسةِ، سمعتُ ضجةَ بابٍ في الأسفل، استندتُ على حافة الدرج، أسمعُ بعضَ ضحكات، لابدّ أنَّ مصدرها غرفةُ العريسين الجديدين، الآن ستخرجُ كِنّتي لتضع ملابسها الفاضحة في سلةِ الغسيل، لنغسلها سوياً حينَ تنتصفُ الشمس.

لحظة../ الضجيجُ من الغرفةِ المقابلة، غرفةِ ال ...
يخرجُ زوجي من غرفةِ الخادمة، يقبلها طويلاً، يلفُ خصرها بمنشفة، يلقي بقايا ملابسَ السهرة في سلة الغسيل، يغتسلُ جيداً، ويصلي .. !

.
.





الجمعة، 22 يونيو 2012

حظ للبيع





ألعقُ ما بقيَ من حلوى في أصابعِ جُمجُمتي، أذيبُ مَعَها سُكّراً كانَ عالقاً قبلَ خمسِ سنين. الأول / الثاني / .. أتذكّرُ ذاتِ الرُقعة المشبوهة .. وكيفَ لي أن أنسى وقد حَفِرتُ خَندَقاً، دفنتُ فيهِ "نونٌ" جعلتني سَيَان ..!

يومها، كُنتُ أصرخُ بصوتِ جُمجُمتي: " حظ للبيع، حظ للبيع "، ولمّا اجتمعَ السوقُ لصراخي، أعدت: " حظ للبيع، للبيع حظ "، ولم أكتفِ، شرعتُ للتعريفِ عن بضاعتي: "حظٌ فازَ في سباقِ الدراجاتِ سَبعاً، لم يخسر لعبة قمارٍ قط، تعرضَ للمشنقة، وفُلِتَ مِنها ثلاثاً! ".

ألعقُ إصبعيَ الثالث بحلاوة، أتذكّرُ قبلَ ثلاثِ سنين، كيف اعتقلتُ اثر اغتصابِ ثلاثةِ صبية، حُملتُ يومها على المشنقة، نجوتُ منها بانقطاعِ الحبل مرة، واحتراقِ البلدة مرتان. لكلِ الأسئلة التي تبدأ ب كيف؟ .. هذا حظ!

ألعقُ الرابعَ، أتلذذ، تماماً كأربعِ السنواتِ الراحلة، كُنتُ كُلّما ألقي ورقة على الطاولة، ارتدت حُزمة!. ألعقُ الخامِس سريعاً، كدراجتي الهوائية، حينَ تخَطّت حاجز الفوزِ سَبعاً.

أسحبُ قطعةَ حَلوى أخرى، أقرّبُها من فَمي، أسمعُ صراخَ جُمجُمةِ أحدِهِم: " حظ للبيع .. حظ للبيع " .
.
.
.

الاثنين، 2 يناير 2012

أنفُ عِطر..


أخلعُ نعليَّ ليُرَقِعهما العم صابِر. وسَط ضَجّة السوق، لا أرى إلا الألعاب، ولا أشمُّ غيرَ رائحةَ الشِّواء، فَهيَ بالمجَّانْ. أما طَعم الحَلاوة فهوَ غالي الثَمَن كالعادة، لِذا تحرصُ والدتي على تزويدي بطعمِ حنانٍ يفقدهُ من يُفرط في تناولِ الحَلوى.
- ها قد انتهيت، يُمكنكِ الآن الرَكضَ كأرنبٍ سريع. –قالَ العَم-
- شُكراً –قلتُ أنا- وعَجَّلتُ في نقلِ أزواجِ الأحذية إلى سلَّةِ الدرَّاجة.
- حافِظي على الأحذية، أوصِليها إلى الزَبائِن دونَ بَلَل، قودي الدَرَّاجة بِتَأَنِّي، ولا تغفلي عَن إشاراتِ المرور، ففي العجلةِ النَّدامة يا صغيرتي.

وصلتُ إلى العنوانِ المطلوب، المنزلُ رفيعٌ جداً، حتى أنّهُ يعيقُ أسرابَ الحمام، على رأسهِ قُبَعة قمعية كبيرة، كُنتُ قَد تمنيتُ مثلها الصيفَ الماضي!. النوافذ الزُجاجية تبرقُ بالألوانِ السَبعة، يااه.. كَل هذا منزل؟؟!
- ما تريدين؟ -قالَ أحدهم-
- أرسلني العم صابر مع أزواجٍ من الأحذية لسيدة المنزل.
- حسناً.. يمكنكِ الدخول من باب الخَدَم في الخَلف، لا تتأخري، سأغلقُ الباب بعد نصف ساعة.

هممتُ لحيث أشار، الزهورُ على جوانبِ الطريقِ تنشرُ رائحةً حُلوَة، يااه بُحيرة أيضاً.. وبَطَّة..! أسماكهم مُلونة...!
- من أنتِ؟ -قالت طفلة في الجوار-
- أرسلني العم صابر مع أزواجٍ من الأحذية لسيدة المنزل.
- كم عمرك؟
- لا أعلم، رُبَّما خمس.
- أنا جواهر، وأنتِ؟
- أنا ماسَة
- ماسَة.. تعالي..
جرَّتني خَلفَها.. تبعتُها وأنا أردِّد ( الأحذية .. هُناك .. الأحذية ) ..! أدخلتني لغرفةٍ بحجمِ منزلنا.. تملؤها الدُبَبة والدُمى الكرتونية، تماماً كالتي تظهر في شاشاتِ التلفزيون. صرنا نلعب.. لعبتُ كثيراً.. لا أعلمُ كم من الوقتِ مرّ، حتى دخلت سيدة تفوحُ منها رائحة نتنة كالتي شممتُها في جواهر!
- ماما.. هذهِ صديقتي ماسَة.
- كيفَ دخلتِ؟ -قالت السيدة-
- أرسلني العم صابر مع أزواجٍ من الأحذية لسيدة المنزل.
- أجل .. صابر .. أين الأحذية؟

خرجنا سَويّاً، ناولتها الأحذية، فناولتني كيسَ نقود، ودَّعتُ جواهر وشرعتُ في الرحيل। أوقفني صوتُ السيدة: ( لحظة॥ هذا العطر لجواهر، إنهُ لكِ الآن..).


في اليوم التالي، ارتديتُ أجدد ملبوسٍ لدي، ليَليقَ برائحةِ عطرٍ فاخِر॥، وخرجتُ للتسَكُّعِ مع أطفالِ الحَي। أوقفني صديقي وائل: ( ما هذهِ الرائحة النتنة يا ماسَة؟ )